Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 54-60)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِن تُبْدُواْ شَيْئاً } من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم أو من نكاحهن { أَوْ تُخْفُوهْ } في أنفسكم من ذلكم { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً } فيعاقبكم به . ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب : يا رسول الله أو نحن أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فنزل { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوٰنِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاء إِخْوٰنِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاء أَخَوٰتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ } أي نساء المؤمنات { وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } أي لا إثم عليهن في ألا يحتجبن من هؤلاء ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين وقد جاءت تسمية العم أبا قال الله تعالى : { وإله آبائك إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } [ البقرة : 133 ] . وإسماعيل عم يعقوب ، وعبيدهن عند الجمهور كالأجانب . ثم نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب وفي هذا النقل فضل تشديد كأنه قيل { وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ } فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحي من الاستتار واحتطن فيه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيداً } عالماً . قال ابن عطاء : الشهيد الذي يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح . { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } أي قولوا اللهم صل على محمد أو صلى الله على محمد { وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } أي قولوا اللهم سلم على محمد أو انقادوا لأمره وحكمه انقياداً . وسئل عليه السلام عن هذه الآية فقال " إن الله وكل بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين آمين ، ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين آمين " ثم هي واجبة مرة عند الطحاوي ، وكلما ذكر اسمه عند الكرخي وهو الاحتياط وعليه الجمهور . وإن صلى على غيره على سبيل التبع كقوله « صلى الله على النبي وآله » فلا كلام فيه ، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة فمكروه وهو من شعائر الروافض . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي يؤذون رسول الله ، وذكر اسم الله للتشريف أو عبر بإيذاء الله ورسوله عن فعل ما لا يرضى به الله ورسوله كالكفر وإنكار النبوة مجازاً ، وإنما جعل مجازاً فيهما وحقيقة الإيذاء يتصور في رسول الله لئلا يجتمع المجاز والحقيقة في لفظ واحد { لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } طردهم الله عن رحمته في الدارين { وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } في الآخرة { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } أطلق إيذاء الله ورسوله وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن ذاك يكون غير حق أبداً ، وأما هذا فمنه حق كالحد والتعزيز ومنه باطل . قيل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون علياً رضي الله عنه ويسمونه . وقيل : في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات . وعن الفضيل : لا يحل لك أن تؤذي كلباً أو خنزيراً بغير حق فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات { فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ } تحملوا { بُهْتَـٰناً } كذباً عظيماً { وَإِثْماً مُّبِيناً } ظاهراً . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأِزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ } الجلباب : ما يستر الكل مثل الملحفة عن المبرد . ومعنى { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ } يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن . يقال : إذا زلّ الثوب عن وجه المرأة أدنى ثوبك على وجهك . و « من » للتبعيض أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة ، أو المراد أن تتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب وأن لا تكون المرأة متبذلة في درع وخمار كالأمة ولها جلبابان فصاعداً في بيتها ، وذلك أن النساء كنّ في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار لا فضل بين الحرة والأمة ، وكان الفتيان يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء ، وربما تعرضوا للحرة لحسبان الأمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الملاحف وستر الرؤوس والوجوه فلا يطمع فيهن طامع وذلك قوله { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لما سلف منهن من التفريط { رَّحِيماً } بتعليمهن آداب المكارم { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } فجور ، وهم الزناة من قوله { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ } { وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ } هم أناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين . يقال : أرجف بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبراً متزلزلاً غير ثابت من الرجفة وهي الزلزلة { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } لنأمرنك بقتالهم أو لنسلطنك عليهم { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا } في المدينة وهو عطف على { لَنُغْرِيَنَّكَ } لأنه يجوز أن يجاب به القسم لصحة قولك لئن لم ينتهوا لا يجاورونك . ولما كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أصيبوا به عطف بـ { ثُمَّ } لبعد حاله عن حال المعطوف عليه { إِلاَّ قَلِيلاً } زماناً قليلاً . والمعنى لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء ، لنأمرنك بأن تفعل الأفعال التي تسوءهم ، ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زماناً قليلاً ريثما يرتحلون ، فسمي ذلك إغراء وهو التحريش على سبيل المجاز .