Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 1-8)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية وهي أربع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم { ٱلْحَمْدُ } إن أجرى على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود ، وإن أجرى على الاستغراق فله لكل المحامد الاستحقاق { لِلَّهِ } بلام التمليك لأنه خالق ناطق الحمد أصلاً فكان بملكه مالك الحمد للتحميد أهلاً { ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } خلقاً وملكاً وقهراً فكان حقيقاً بأن يحمد سراً وجهراً { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلآخِرَةِ } كما هو له في الدنيا إذ النعم في الدارين من المولى ، غير أن الحمد هنا واجب لأن الدنيا دار تكليف وثم لا ، لعدم التكليف وإنما يحمد أهل الجنة سروراً بالنعيم وتلذذاً بما نالوا من الأجر العظيم بقولهم { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ } [ الزمر : 74 ] { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } [ فاطر : 34 ] { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } بتدبير ما في السماء والأرض { ٱلْخَبِيرُ } بضمير من يحمده ليوم الجزاء والعرض { يَعْلَمْ } مستأنف { مَا يَلْجُ } ما يدخل { فِى ٱلأَرْضِ } من الأموات والدفائن { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من النبات وجواهر المعادن { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاء } من الأمطار وأنواع البركات { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } يصعد إليها من الملائكة والدعوات { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ } بإنزال ما يحتاجون إليه { ٱلْغَفُورُ } لما يجترئون عليه . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي منكرو البعث { لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ } نفي للبعث وإنكار لمجيء الساعة { قُلْ بَلَىٰ } أوجب ما بعد النفي بـ « بلى » على معنى أن ليس الأمر إلا إتيانها { وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ } ثم أعيد إيجابه مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد وهو التوكيد باليمين بالله عز وجل ، ثم أمد التوكيد القسمى بما اتبع المقسم به من الوصف بقوله { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } لأن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وبشدة ثباته واستقامته لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر ، وكلما كان المستشهد به أرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت وأرسخ ، ولما كان قيام الساعة من مشاهير الغيوب وأدخلها في الخفية كان الوصف بما يرجع إلى علم الغيب أولى وأحق . { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } مدني وشامي أي هو عالم الغيب { علامِ ٱلْغَيْبَ } حمزة وعلي على المبالغة { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ } وبكسر الزاي : عليّ . يقال : عزب يعزب ويعزب إذا غاب وبعد { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } مقدار أصغر نملة { فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ } من مثقال ذرة { وَلا أَكْبَرُ } من مثقال ذرة { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } إلا في اللوح المحفوظ ، { وَلاَ أَصْغَرُ وَلا أَكْبَرُ } بالرفع عطف على { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } ويكون « إلا » بمعنى لكن ، أو رفعاً بالابتداء والخبر { فِى كِتَـٰبِ } واللام في { لّيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لما قصروا فيه من مدارج الإيمان { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } لما صبروا عليه من مناهج الإحسان متعلق بـ { لَتَأْتِيَنَّكُمْ } تعليلاً له . { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِى ءايَـٰتِنَا } جاهدوا في رد القرآن { مُعَـٰجِزِينَ } مسابقين ظانين أنهم يفوتوننا . { مُعَـجِزِينَ } مكي وأبو عمرو أي مثبطين الناس عن اتباعها وتأملها أو ناسبين الله إلى العجز { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ أَلِيمٌ } برفع { أَلِيمٌ } مكي وحفص ويعقوب صفة لعذاب أي عذاب أليم من سيء العذاب . قال قتادة : الرجز سوء العذاب ، وغيرهم بالجر صفة لرجز . { وَيَرَى } في موضع الرفع بالاستئناف أي ويعلم { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمته أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا كعبد الله بن سلام وأصحابه ، والمفعول الأول لـ { يَرَىٰ } { ٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } يعني القرآن { هُوَ ٱلْحَقُّ } أي الصدق وهو فصل و { ٱلْحَقّ } مفعول ثانٍ أو في موضع النصب معطوف على { لِيَجْزِىَ } وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق علماً لا يزاد عليه في الإيقان { وَيَهْدِى } الله أو الذي أنزل إليك { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } وهو دين الله { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وقال قريش بعضهم لبعض { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم . وإنما نكّروه مع أنه كان مشهوراً علماً في قريش وكان إنباؤه بالبعث شائعاً عندهم تجاهلاً به وبأمره وباب التجاهل في البلاغة وإلى سحرها { يُنَبّئُكُمْ إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب أنكم تبعثون وتنشئون خلقاً جديداً بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً ويمزق أجسادكم البلى كل ممزق أي يفرقكم كل تفريق ، فالممزق مصدر بمعنى التمزيق ، والعامل في { إِذَا } ما دل عليه { إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي تبعثون ، والجديد فعيل بمعنى فاعل عند البصريين تقول جد فهو جديد كقل فهو قليل ولا يجوز { إِنَّكُمْ } بالفتح للام في خبره { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } أهو مفترٍ على الله كذباً فيما ينسب إليه من ذلك والهمزة للاستفهام وهمزة الوصل حذفت استغناء عنها { أَم بِهِ جِنَّةٌ } جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِى ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلْبَعِيدِ } ثم قال سبحانه وتعالى : ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء وهو مبرأ منهما بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث واقعون في عذاب النار وفيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك . وذلك أجن الجنون ، جعل وقوعهم في العذاب رسيلاً لوقوعهم في الضلال كأنهما كائنان في وقت واحد ، لأن الضلال لما كان العذاب من لوازمه جعلا كأنهما مقترنان . ووصف الضلال بالبعيد من الإسناد المجازي لأن البعيد من الإسناد المجازي لأن البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادة .