Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 29-37)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } يداومون على تلاوة القرآن { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } أي مسرين النفل ومعلنين الفرض يعني لا يقتنعون بتلاوته عن حلاوة العمل به { يَرْجُونَ } خبر « إنّ » { تجارةً } هي طلب الثواب بالطاعة { لَّن تَبُورَ } لن تكسد يعني تجارة ينتفى عنها الكساد وتنفق عند الله { لِيُوَفّيَهُمْ } متعلق بـ { لَّن تَبُورَ } أي ليوفيهم بنفاقها عنده { أُجُورَهُمْ } ثواب أعمالهم { وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } بتفسيح القبور أو بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم أو بتضعيف حسناتهم أو بتحقيق وعد لقائه . أو { يَرْجُونَ } في موضع الحال أي راجين . واللام في { لِيُوَفّيَهُمْ } تتعلق بـ { يَتْلُونَ } وما بعده أي فعلوا جميع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والإنفاق لهذا الغرض وخبر « إنّ » { إِنَّهُ غَفُورٌ } لفرطاتهم { شَكُورٍ } أي غفورٌ لهم شكور لأعمالهم أي يعطي الجزيل على العمل القليل { وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي القرآن . و « من » للتبيين { هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقاً } حال مؤكدة لأن الحق لا ينفك عن هذا التصديق { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } لما تقدمه من الكتب { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } فعلمك وأبصر أحوالك ورآك أهلاً لأن يوحي إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب . { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } أي أوحينا إليك القرآن ثم أورثناه من بعدك أي حكمنا بتوريثه { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة لأن الله اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس ، واختصهم بكرامة الإنتماء إلى أفضل رسله . ثم رتبهم على مراتب فقال { فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ } وهو المرجأ لأمر الله { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } هو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ } وهذا التأويل يوافق التنزيل فإنه تعالى قال : { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأََوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ } [ التوبة : 100 ] الآية وقال بعده : { وَءَاخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } [ التوبة : 102 ] الآية وقال بعده : { وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاْمْرِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 106 ] الآية . والحديث فقد رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر بعد قراءة هذه الآية : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له " وعنه عليه السلام : " السابق يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة ، وأما الظالم لنفسه فيحبس حتى يظن أنه لا ينجو ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة " رواه أبو الدرداء . والأثر فعن ابن عباس رضي الله عنهما : السابق المخلص ، والمقتصد المرائي ، والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة . وقول السلف فقد قال الربيع بن أنس : الظالم صاحب الكبائر ، والمقتصد صاحب الصغائر ، والسابق المجتنب لهما . وقال الحسن البصري : الظالم من رجحت سيئاته ، والسابق من رجحت حسناته ، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته . وسئل أبو يوسف رحمه الله عن هذه الآية فقال : كلهم مؤمنون ، وأما صفة الكفار فبعد هذا وهو قوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } وأما الطبقات الثلاث فهم الذين اصطفى من عباده فإنه قال : { فَمِنْهُمْ } { وَمِنْهُمُ } { وَمِنْهُمُ } والكل راجع إلى قوله { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وهم أهل الإيمان وعليه الجمهور . وإنما قدم الظالم للإيذان بكثرتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل . وقال ابن عطاء : إنما قدم الظالم لئلا ييأس من فضله . وقيل : إنما قدمه ليعرّفه أن ذنبه لا يبعده من ربه . وقيل : إن أول الأحوال معصية ثم توبة ثم استقامة . وقال سهل : السابق العالم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل . وقال أيضاً : السابق الذي اشتغل بمعاده ، والمقتصد الذي اشتغل بمعاشه ومعاده ، والظالم الذي اشتغل بمعاشه عن معاده . وقيل : الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة ، والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة ، والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق . وقيل : الظالم من أخذ الدنيا حلالاً كانت أو حراماً ، والمقتصد من يجتهد أن لا يأخذها إلا من حلال ، والسابق من أعرض عنها جملة . وقيل : الظالم طالب الدنيا ، والمقتصد طالب العقبي ، والسابق طالب المولى { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } بأمره أو بعلمه أو بتوفيقه { ذٰلِكَ } أي إيراث الكتاب { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ * جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } خبر ثان لـ { ذٰلِكَ } أو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ والخبر { يَدْخُلُونَهَا } أي الفرق الثلاثة { يَدْخُلُونَهَا } : أبو عمرو { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ } جمع أسورة جمع سوار { مّن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } أي من ذهب مرصع باللؤلؤ { ذَهَبٍ } بالنصب والهمزة : نافع وحفص عطفاً على محل { مِنْ أَسَاوِرَ } أي يحلون أساور ولؤلؤاً { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } لما فيه من اللذة والزينة . { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } خوف النار أو خوف الموت أو هموم الدنيا { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ } يغفر الجنايات وإن كثرت { شَكُورٌ } يقبل الطاعات وإن قلت { ٱلَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ } أي الإقامة لا نبرح منها ولا نفارقها يقال أقمت إقامة ومقاماً ومقامة { مِن فَضْلِهِ } من عطائه وإفضاله لا باستحقاقنا { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } تعب ومشقة { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } إعياء من التعب وفترة . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي { لغُوبٌ } بفتح اللام وهو شيء يلغب منه أي لا نتكلف عملاً يلغبنا { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } جواب النفي ونصبه بإضمار « أن » أي لا يقضى عليهم بموت ثانٍ فيستريحوا { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا } من عذاب نار جهنم { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الجزاء { نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } { يُجْزَىٰ كُلَّ كَفُورٍ } : أبو عمرو { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } يستغيثون فهو يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد ومشقة ، واستعمل في الاستغاثة لجهر صوت المستغيث { رَبَّنَا } يقولون ربنا { أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } أي أخرجنا من النار ردنا إلى الدنيا نؤمن بدل الكفر ونطع بعد المعصية فيجاوبون بعد فدر عمر الدنيا { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } يجوز أن يكون « ما » نكرة موصوفة أي تعميراً يتذكر فيه من تذكر وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر ، إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم . ثم قيل : هو ثمان عشرة سنة . وقيل : أربعون . وقيل : ستون سنة { وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ } الرسول عليه السلام أو المشيب وهو عطف على معنى { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ } لأن لفظه لفظ استخبار ومعناه إخبار كأنه قيل : قد عمرناكم وجاءكم النذير { فَذُوقُواْ } العذاب { فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } ناصر يعينهم .