Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 12-27)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيىِ ٱلْمَوْتَىٰ } نبعثهم بعد مماتهم أو نخرجهم من الشرك إلى الإيمان { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ } ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها { وَءَاثَارَهُمْ } ما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علّموه أو كتاب صنّفوه أو حبيس حبّسوه أو رباط أو مسجد صنعوه أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلمة ، وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة يستن بها ونحوه قوله تعالى { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] قدم من أعماله وأخر من آثاره . وقيل : هي خطاهم إلى الجمعة أو إلى الجماعة { وَكُلَّ شىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ } عددناه وبيناه { فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ } يعني اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب ومقتداها . { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَـٰبَ ٱلقَرْيَةِ } ومثل لهم من قولهم « عندي من هذا الضرب كذا » أي من هذا المثال ، وهذه الأشياء على ضرب واحد أي على مثال واحد ، والمعنى واضرب لهم مثلاً مثل أصحاب القرية أي أنطاكية ، أي اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية ، والمثل الثاني بيان للأول . وانتصاب { إِذْ } بأنه بدل من { أَصْحَـٰبَ ٱلقَرْيَةِ } { جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } رسل عيسى عليه السلام إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان { إِذْ } بدل من { إِذْ } الأولى { أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ } أي أرسل عيسى بأمرنا { ٱثْنَيْنِ } صادقاً وصدوقاً ، فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار فسأل عن حالهما فقالا : نحن رسولا عيسى ، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال : أمعكما آية ؟ فقالا : نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص ، وكان له ابن مريض مدة سنتين فمسحاه فقام ، فآمن حبيب وفشا الخبر فشفي على أيديهما خلق كثير ، فدعاهما الملك وقال لهما : ألنا إله سوى آلهتنا ؟ قالا : نعم من أوجدك وآلهتك . فقال : حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس وضربوهما . وقيل : حبسا ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكراً وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به فقال له ذات يوم : بلغني أنك حبست رجلين فهل سمعت قولهما ؟ قال : لا . فدعاهما فقال شمعون : من أرسلكما ؟ قالا : الله الذي خلق كل شيء ورزق كل حي وليس له شريك . فقال : صفاه وأوجزا . قالا : يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . قال : وما آيتكما ؟ قالا : ما يتمنى الملك . فدعا بغلام أكمه فدعوا الله فأبصر الغلام . فقال له شمعون : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف ؟ قال الملك : ليس لي عنك سر إن إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع . ثم قال : إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به ، فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال : إني أدخلت في سبعة أودية من النار لما مت عليه من الشرك وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا . وقال : فتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة . قال الملك : ومن هم ؟ قال : شمعون وهذان ، فتعجب الملك . فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم ، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا . { فَكَذَّبُوهُمَا } فكذب أصحاب القرية الرسولين { فَعَزَزْنَا } فقويناهما ، { فَعَزَّزْنَا } أبو بكر من عزّه يعزّه إذا غلبه أي فغلبنا وقهرنا { بِثَالِثٍ } وهو شمعون وترك ذكر المفعول به لأن المراد ذكر المعزز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وذل الباطل ، وإذا كان الكلام منصباً إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض { فَقَالُواْ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } أي قال الثلاثة لأهل القرية { قَالُواْ } أي أصحاب القرية { مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } رفع { بشر } هنا ونصب في قوله { مَا هَـٰذَا بَشَرًا } [ يوسف : 31 ] لانتقاض النفي بـ « إلا » فلم يبق لما شبه بليس وهو الموجب لعمله { وَمَا أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَىْءٍ } أي وحياً { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } ما أنتم إلا كذبة . { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } أكد الثاني باللام دون الأول لأن الأول ابتداء إخبار والثاني جواب عن إنكار فيحتاج إلى زيادة تأكيد . و { رَبُّنَا يَعْلَمُ } جارٍ مجرى القسم في التوحيد وكذلك قولهم « شهد الله » و « علم الله » { وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } أي التبليغ الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة بصحته { قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } تشاءمنا بكم وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم ، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه وقبلته طباعهم ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه ، فإن أصابهم بلاء أو نعمة قالوا بشؤم هذا وبركة ذلك . وقيل : حبس عنهم المطر فقالوا ذلك { لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ } عن مقالتكم هذه { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } لنقتلنكم أو لنطردنكم أو لنشتمنكم { وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } وليصيبنكم عذاب النار وهو أشد عذاب { قَالُواْ طَـٰئِرُكُم } أي سبب شؤمكم { مَّعَكُمْ } وهو الكفر { أئِن } بهمزة الاستفهام وحرف الشرط : كوفي وشامي { ذُكِّرْتُم } وعظتم ودعيتم إلى الإسلام ، وجواب الشرط مضمر وتقديره « تطيرتم » ، { آين } بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة : أبو عمرو ، و { أَيْنَ } بهمزة مقصورة بعدها ياء مسكورة : مكي ونافع . { ذكرتم } بالتخفيف : يزيد { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } مجاوزون الحد في العصيان فمن ثم أتاكم الشؤم من قبلكم لا من قبل رسل الله وتذكيرهم ، أو بل أنتم مسرفون في ضلالكم وغيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله . { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ } هو حبيب النجار وكان في غار من الجبل يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال : أتسألون على ما جئتم به أجراً ؟ قالوا : لا { قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْـئَلُكُمْ أَجْراً } على تبليغ الرسالة { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } أي الرسل : فقالوا : أو أنت على دين هؤلاء ؟ فقال : { وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } خلقني { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وإليه مرجعكم ، { وَمَا لِى } حمزة . { ءَأَتَّخِذُ } بهمزتين : كوفي { مِن دُونِهِ ءَالِهَةً } يعني الأصنام { إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ } شرط جوابه { لاَّ تُغْنِ عَنِّى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ } من مكروه ، { ولا ينقذوني } { فاسمعوني } في الحالين : يعقوب { إِنِّى إِذاً } أي إذا اتخذت { لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } ظاهر بين . ولما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال لهم { إِنِّى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } أي اسمعوا إيماني لتشهدوا لي به . ولما قتل { قِيلَ } له { ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } وقبره في سوق أنطاكية . ولم يقل « قيل له » لأن الكلام سيق لبيان المقول لا لبيان المقول له مع كونه معلوماً ، وفيه دلالة أن الجنة مخلوقة . وقال الحسن : لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله إليه وهو في الجنة ولا يموت إلا بفناء السماوات والأرض ، فلما دخل الجنة ورأى نعيمها { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى } أي بمغفرة ربي لي أو بالذي غفر لي { وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } بالجنة .