Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 71-83)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعـٰماً } أي مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا { فَهُمْ لَهَا مَـٰلِكُونَ } أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع بها أو فهم لها ضابطون قاهرون { وَذَلَّلْنَـٰهَا لَهُمْ } وصيرناها منقادة لهم وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله تعالى وتسخيره لها ، ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [ الزخرف : 13 ] { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ } وهو ما يركب { وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } أي سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ } من الجلود والأوبار وغير ذلك { وَمَشَـٰرِبُ } من اللبن وهو جمع مشرب وهو موضع الشرب أو الشراب { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } الله على إنعام الأنعام { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } أي لعل أصنامهم تنصرهم إذا حزبهم أمر { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } أي آلهتهم { نَصَرَهُمْ } نصر عابديهم { وَهُمْ لَهُمْ } أي الكفار للأصنام { جُندٌ } أعوان وشيعة { مُحْضَرُونَ } يخدمونهم ويذبون عنهم ، أو اتخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ما توهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقود النار { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } وبضم الياء وكسر الزاي : نافع من حزنه وأحزنه يعني فلا يهمك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم . { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من عداوتهم { وَمَا يُعْلِنُونَ } وإنا مجازوهم عليه فحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن . ومن زعم أن من قرأ { إِنا نعلم } بالفتح فسدت صلاته وإن اعتقد معناه كفر فقد أخطأ ، لأنه يمكن حمله على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن والشعر وفي كل كلام ، وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن الحمد والنعمة لك " كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي رحمة الله عليهما ، وكلاهما تعليل . فإن قلت : إن كان المفتوح بدلاً من { قَوْلُهُمْ } كأنه قيل : فلا يحزنك أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ففساده ظاهر . قلت : هذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول ، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالماً وعدم تعلقه لا يدوران على كسر « إن » وفتحها ، وإنما يدوران على تقديرك فتفصل إن فتحت بـ « أن » تقدر معنى التعليل ولا تقدر معنى البدل كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدر معنى المفعولية . ثم إن قدرته كاسراً أو فاتحاً على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على علمه تعالى بسرهم وعلانيتهم ، والنهي عن حزنه ليس إثباتاً لحزنه بذلك كما في قوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لّلْكَـٰفِرِينَ } [ القصص : 86 ] { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءَاخَرَ } [ القصص : 88 ] . ونزل في أبي بن خلف حين أخذ عظماً بالياً وجعل يفته بيده ويقول : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعدما رم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " « نعم ويبعثك ويدخلك جهنم » " { أَوَ لَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ } مذرة خارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } بين الخصومة أي فهو على مهانة أصله ودناءة أوله يتصدى لمخاصمة ربه وينكر قدرته على إحياء الميت بعد ما رمت عظامه ، ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر إنشاءه من موات وهو غاية المكابرة { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً } بفته العظم { وَنَسِىَ خَلْقَهُ } من المني فهو أغرب من إحياء العظم ، المصدر مضاف إلى المفعول أي خلقنا إياه { قَالَ مَن يُحىِ ٱلْعِظَـٰمَ وَهِىَ رَمِيمٌ } هو اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرمة والرفات ولهذا لم يؤنث ، وقد وقع خبراً لمؤنث ومن يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها يتشبث بهذه الآية وهي عندنا طاهرة ، وكذا الشعر والعصب لأن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت . والمراد بإحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِى أَنشَأَهَا } خلقها { أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي ابتداء { وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ } مخلوق { عَلِيمٌ } لا تخفى عليه أجزاؤه وإن تفرقت في البر والبحر فيجمعه ويعيده كما كان { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } تقدحون . ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي تورى بها الأعراب وأكثرها من المرخ والعفار ، وفي أمثالهم « في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار » لأن المرخ شجر سريع الوري ، والعفار شجر تقدح منه النار ، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهي أنثى فتنقدح النار بإذن الله . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب لمصلحة الدق للثياب ، فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر ، وإجراء أحد الضدين على الآخر بالعقيب أسهل في العقل من الجمع معاً بلا ترتيب . والأخضر على اللفظ وقريء الخضراء على المعنى . ثم بين أن من قدر على خلق السماوات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الأناسيّ أقدر بقوله { أَوَ لَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } في الصغر بالإضافة إلى السماوات والأرض أو أن يعيدهم لأن المعاد مثل للمبتدأ وليس به { بَلَىٰ } أي قل بلى هو قادر على ذلك { وَهُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ } الكثير المخلوقات { ٱلْعَلِيمُ } الكثير المعلومات { إِنَّمَا أَمْرُهُ } شأنه { إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن } أن يكونه { فَيَكُونُ } فيحدث أي فهو كائن موجود لا محالة . فالحاصل أن المكونات بتخليقه وتكوينه ولكن عبر عن إيجاده بقوله { كُن } من غير أن كان منه كاف ونون وإنما هو بيان لسرعة الإيجاد كأنه يقول : كما لا يثقل قول « كن » عليكم فكذا لا يثقل على الله ابتداء الخلق وإعادتهم ، { فيكون } شامي وعلي عطف على { يقول } ، وأما الرفع فلأنها جملة من مبتدأ وخبر لأن تقديرها « فهو يكون » معطوفة على مثلها وهي « أمره أن يقول له كن » { فَسُبْحَـٰنَ } تنزيه مما وصفه به المشركون وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا { ٱلَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ } أي ملك كل شيء . وزيادة الواو والتاء للمبالغة يعني هو مالك كل شيء { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } تعادون بعد الموت بلا فوت ، { تَرجعون } : يعقوب . قال عليه الصلاة والسلام " إن لكل شيء قلباً وإن قلب القرآن يس " " من قرأ يس يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة " وقال عليه السلام " من قرأ يس أمام حاجته قضيت له " وقال عليه السلام " من قرأها إن كان جائعاً أشبعه الله ، وإن كان ظمآن أرواه الله ، وإن كان عرياناً ألبسه الله ، وإن كان خائفاً أمنه الله ، وإن كان مستوحشاً آنسه الله ، وإن كان فقيراً أغناه الله ، وإن كان في السجن أخرجه الله ، وإن كان أسيراً خلصه الله ، وإن كان ضالاً هداه الله ، وإن كان مديوناً قضى الله دينه من خزائنه " وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة والله أعلم .