Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-28)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ صَفَّا فَٱلزجِرٰتِ زَجْراً فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ ذِكْراً } أقسم سبحانه وتعالى بطوائف الملائكة ، أو بنفوسهم الصافات أقدامها في الصلاة . فالزاجرات الحساب سوقاً أو عن المعاصي بالإلهام ، فالتاليات لكلام الله من الكتب المنزلة وغيرها وهو قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد ؛ أو بنفوس العلماء العمال الصافات أقدامها في التهجد وسائر الصلوات ، فالزاجرات بالمواعظ والنصائح ، فالتاليات آيات الله والدارسات شرائعه . أو بنفوس الغزاة في سبيل الله التي تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد وتتلو الذكر مع ذلك . و { صَفَّا } مصدر مؤكد وكذلك { زَجْراً } والفاء تدل على ترتيب الصفات في التفاضل فتفيد الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة أو على العكس . وجواب القسم { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } قيل : هو جواب قولهم { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً } [ ص : 5 ] { رَبُّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب { وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَـٰرِقِ } أي مطالع الشمس وهي ثلثمائة وستون مشرقاً ، وكذلك المغارب تشرق الشمس كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب منها ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين . وأما { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [ الرحمن : 17 ] فإنه أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما ، وأما { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } [ المزمل : 9 ] فإنه أراد به الجهة فالمشرق جهه والمغرب جهة . { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءض ٱلدُّنْيَا } القربى منكم تأنيث الأدنى { بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبِ } حفص وحمزة على البدل من { زينة } والمعنى إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب ، { بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبِ } أبو بكر على البدل من محل { بزينة } أو على إضمار أعني أو على إعمال المصدر منوناً في المفعول ، { بِزِينَة ٱلْكَوٰكِبِ } غيرهم بإضافة المصدر إلى الفاعل أي بأن زانتها الكواكب وأصله بزينةٍ الكواكبُ أو على إضافته إلى المفعول أي بأن زان الله الكواكب وحسنها ، لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها وأصله { بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبَ } لقراءة أبي بكر { وَحِفْظاً } محمول على المعنى لأن المعنى إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظاً من الشياطين كما قال { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ } [ الملك : 5 ] أو الفعل المعلل مقدر كأنه قيل : وحفظاً من كل شيطان قد زيناها بالكواكب ، أو معناه حفظناها حفظاً { مِّن كُلِّ شَيْطَـٰنٍ مَّارِدٍ } خارج من الطاعة . والضمير في { لاَ يَسَّمَّعُونَ } لكل شيطان لأنه في معنى الشياطين ، { يَسَّمَّعون } كوفي غير أبي بكر ، وأصله « يتسمعون » والتسمع تطلب السماع يقال : تسمع فسمع أو فلم يسمع . وينبغي أن يكون كلاماً منقطعاً مبتدأ اقتصاصاً لما عليه حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة أو يتسمعوا . وقيل : أصله لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت في « جئتك أن تكرمني » فبقي أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها كما في قوله : @ ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى @@ وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله ، فإن كل واحد من الحذفين غير مردود على انفراده ولكن اجتماعهما منكر . والفرق بين « سمعت فلاناً » يتحدث و « سمعت إليه يتحدث » و « سمعت حديثه » و « إلى حديثه » ، أن المعدى بنفسه يفيد الإدراك ، والمعدى بـ « إلى » يفيد الإصغاء مع الإدراك { إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } أي الملائكة لأنهم يسكنون السماوات ، والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض { وَيُقْذَفُونَ } يرمون بالشهب { مِن كُلِّ جَانِبٍ } من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للإستراق { دُحُوراً } مفعول له أي ويقذفون للدحور وهو الطرد ، أو مدحورين على الحال ، أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل : يدحرون أو قذفاً { وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } دائم من الوصوب أي أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب وقد أعد لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع . و « من » في { إِلاَّ مَنْ } في محل الرفع بدل من الواو في { لا يسمعون } أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي { خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } أي سلب السلبة يعني أخذ شيئاً من كلامهم بسرعة { فَأَتْبَعَهُ } لحقه { شِهَابٌ } أي نجم رجم { ثَاقِبٌ } مضيء . { فَٱسْتَفْتِهِمْ } فاستخبر كفار مكة { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أي أقوى خلقاً من قولهم شديد الخلق وفي خلقه شدة ، أو أصعب خلقاً وأشقه على معنى الرد لإنكارهم البعث ، وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } يريد ما ذكر من خلائقه من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما . وجيء بـ « من » تغليباً للعقلاء على غيرهم ويدل عليه قراءة من قرأ « أم من » عددنا بالتشديد والتخفيف . { إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } لاصق أو لازم وقرىء به ، وهذا شهادة عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة ، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا أئذا كنا تراباً ؟ وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث { بَلْ عَجِبْتَ } من تكذيبهم إياك { وَيَسْخُرُونَ } هم منك ومن تعجبك ، أو عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث ، { بَلْ عَجِبْتَ } حمزة وعلي أي استعظمت ، والعجب روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء فجرد لمعنى الاستعظام في حقه تعالى لأنه لا يجوز عليه الروعة ، أو معناه قل يا محمد بل عجبتُ { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به . { وَإِذَا رَأَوْاْ ءَايَةً } معجزة كانشقاق القمر ونحوه { يَسْتَسْخِرُونَ } يستدعي بعضهم بعضاً أن يسخر منها أو يبالغون في السخرية . { وَقَالُواْ إِن هَـٰذَا } ما هذا { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ظاهر { أَءِذَا } استفهام إنكار { مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } أي أنبعث إذا كنا تراباً وعظاماً { أوَ آبَاؤُنَا } معطوف على محل « ان » واسمها ، أو على الضمير في { مَّبْعُوثُونَ } والمعنى أيبعث أيضاً آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل . { أَو آباؤنا } بسكون الواو : مدني و شامي أي أيبعث واحد منا على المبالغة في الإنكار { ٱلأَوَّلُونَ } الأقدمون { قُلْ نَعَمْ } تبعثون { نِعْم } علي وهما لغتان { وَأَنتُمْ دٰخِرُونَ } صاغرون { فَإِنَّمَا هِىَ } جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا { زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } و « هي » لا ترجع إلى شيء إنما هي مبهمة موضحها خبرها ، ويجوز فإنما البعثة زجرة واحدة وهي النفخة الثانية . والزجرة الصيحة من قولك زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليها { فإذاهم } أحياء بصراء { هُمْ يَنَظُرُونَ } إلى سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يحل بهم { وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا } الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } أي اليوم الذي ندان فيه أي نجازي بأعمالنا { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } يوم القضاء والفرق بين فرق الهدى والضلال { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } ثم يحتمل أن يكون { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدّينِ } إلى قوله { ٱحْشُرُواْ } من كلام الكفرة بعضهم مع بعض ، وأن يكون من كلام الملائكة لهم ، وأن يكون { يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدّينِ } من كلام الكفرة و { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } من كلام الملائكة جواباً لهم . { ٱحْشُرُواْ } خطاب الله للملائكة { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } كفروا { وَأَزْوٰجَهُمْ } أي وأشباههم وقرناءهم من الشياطين أو نساءهم الكافرات ، والواو بمعنى « مع » وقيل : للعطف . وقرىء بالرفع عطفاً على الضمير في { ظَلَمُواْ } { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي الأصنام { فَٱهْدُوهُمْ } دلوهم ، عن الأصمعي : هديته في الدين هدىً وفي الطريق هداية { إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْجَحِيمِ } طريق النار { وَقِفُوهُمْ } احبسوهم { إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } عن أقوالهم وأفعالهم { مَا لَكُمْ لاَ تَنَـٰصَرُونَ } أي لا ينصر بعضكم بعضاً ، وهذا توبيخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا متناصرين في الدنيا . وقيل : هو جواب لأبي جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر ، وهو في موضع النصب على الحال أي ما لكم غير متناصرين { بَلْ هُمْ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } منقادون أو قد أسلم بعضهم بعضاً وخذله عن عجر وكلهم مستسلم غير منتصر . { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي التابع على المتبوع { يَتَسَآءَلُونَ } يتخاصمون { قَالُواْ } أي الأتباع للمتبوعين { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } عن القوة والقهر إذ اليمين موصوفة بالقوة وبها يقع البطش أي أنكم كنتم تحمولننا على الضلال وتقسروننا عليه .