Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 83-102)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِنَّ من شِيَعتِهِ لإبْراهِيمَ } أي من شيعة نوح أي ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين ، وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة وما كان بينهما إلا نبيان هود وصالح . { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ } « إذ » تعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة يعني وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه { بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } من الشرك أو من آفات القلوب لإبراهيم ، أو بمحذوف وهو « اذكر » . ومعنى المجيء بقلبه ربه أنه أخلص لله قلبه وعلم الله ذلك منه فضرب المجيء مثلاً لذلك { إِذْ } بدل من الأولى { قَالَ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكاً ءالِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } { أئفكاً } مفعول له تقديره أتريدون آلهة من دون الله إفكاً ؟ وإنما قدم المفعول به على الفعل للعناية ، وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم . ويجوز أن يكون { إِفْكاً } مفعولاً به أي أتريدون إفكاً ؟ ثم فسر الإفك بقوله { آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ } على أنها إفك في نفسها ، أو حالاً أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين ؟ { فَمَا ظَنُّكُم } أيّ شيء ظنكم { بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وأنتم تعبدون غيره ؟ و « ما » رفع بالابتداء والخبر { ظنكم } أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره وعلمتم أنه المنعم على الحقيقة فكان حقيقاً بالعبادة ؟ { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى ٱلنُّجُومِ } أي نظر في النجوم رامياً ببصره إلى السماء متفكراً في نفسه كيف يحتال ، أو أراهم أنه ينظر في النجوم لاعتقادهم علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بأمارة على أنه يسقم { فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ } أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب الإسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد ، ففعل بالأصنام ما فعل . وقالوا : علم النجوم كان حقاً ثم نسخ الاشتغال بمعرفته . والكذب حرام إلا إذا عرّض ، والذي قاله إبراهيم عليه السلام معراض من الكلام أي سأسقم ، أو من الموت في عنقه سقيم ومنه المثل « كفى بالسلامة داء » . ومات رجل فجأة فقالوا : مات وهو صحيح . فقال أعرابي : أصحيح مَن الموت في عنقه ، أو أراد إني سقيم النفس لكفركم كما يقال أنا مريض القلب من كذا { فَتَوَلَّوْاْ } فأعرضوا { عَنْهُ مُدْبِرِينَ } أي مولين الأدبار . { فَرَاغَ إِلَىٰ ءَالِهَتِهِمْ } فمال إليهم سراً { فَقَالَ } استهزاء { أَلآ تَأْكُلُونَ } وكان عندها طعام { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } والجمع بالواو والنون لما أنه خاطبها خطاب من يعقل { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً } فأقبل عليهم مستخفياً كأنه قال فضربهم ضرباً لأن راغ عليهم بمعنى ضربهم أو فراغ عليهم يضربهم ضرباً أي ضارباً { بِٱلْيَمِينِ } أي ضرباً شديداً بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما أو بالقوة والمتانة ، أو بسبب الحلف الذي سبق منه وهو قوله { تَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ } [ الأنبياء : 57 ] { فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ } إلى إبراهيم { يَزِفُّونَ } يسرعون من الزفيف وهو الإسراع . { يُزِفون } حمزة من أزفّ إذا دخل في الزفيف إزفافاً فكأنه قد رآه بعضهم يكسرها وبعضهم لم يره فأقبل من رآه مسرعاً نحوه ثم جاء من لم يره يكسرها فكأنه قد رآه { مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِـئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، فأجابوه على سبيل التعريض بقولهم { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرٰهِيمُ } [ الأنبياء : 60 ] ثم قالوا بأجمعهم نحن نعبدها وأنت تكسرها فأجابهم بقوله { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } بأيديكم { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } وخلق ما تعملونه من الأصنام أو « ما » مصدرية أي وخلق أعمالكم وهو دليلنا في خلق الأفعال أي الله خالقكم وخالق أعمالكم فلم تعبدون غيره ؟ { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ } أي لأجله { بُنْيَـٰنًا } من الحجر طوله ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً { فَأَلْقُوهُ فِى ٱلْجَحِيمِ } في النار الشديدة . وقيل : كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً } بإلقائه في النار { فَجَعَلْنَـٰهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } المقهورين عند الإلقاء فخرج من النار { وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّى } إلى موضع أمرني بالذهاب إليه { سَيَهْدِينِ } سيرشدني إلى ما فيه صلاحي في ديني ويعصمني ويوفقني . { سيهديني } فيهما : يعقوب . { رَبِّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ } بعض الصالحين يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب في الولد { فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍ } انطوت البشارة على ثلاث : على أن الولد غلام ذكر ، وأنه يبلغ أوان الحلم لأن الصبي لا يوصف بالحلم ، وأنه يكون حليماً وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال : { سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } ثم استسلم لذلك . { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ } بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه . و { مَعَهُ } لا يتعلق بـ { بَلَغَ } لاقتضائه بلوغهما معاً حد السعي ، ولا بـ { ٱلسَّعْىَ } لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه ، فبقي أن يكون بياناً كأنه لما قال : { فَلَمَّا بَلَغَ ٱلسَّعْىَ } أي الحد الذي يقدر فيه على السعي قيل : مع من ؟ قال : مع أبيه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة { قَالَ يٰبُنَىَّ } حفص والباقون بكسر الياء { إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ } وبفتح الياء فيهما : حجازي وأبو عمرو . قيل له في المنام : اذبح ابنك ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة . وإنما لم يقل رأيت لأنه رأى مرة بعد مرة فقد قيل : رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا . فلما أصبح روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثَمَّ سمي يوم الترويه . فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثَمَّ سُمي يوم عرفة . ثم رأى مثل ذلك في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر { فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين ، ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر . { تُرِى } علي وحمزة أي ماذا تصبر من رأيك وتبديه { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } أي ما تؤمر به وقرىء به { سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } على الذبح . رُوي أن الذبيح قال لأبيه : يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي حتى لا أوذيك إذا أصابتني الشفرة ، ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني ، واجعل وجهي إلى الأرض . ويُروى اذبحني وأنا ساجد واقرأ على أمي السلام ، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها .