Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 71-88)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ } بدل من { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أي في شأن آدم حين قال تعالى على لسان ملك { لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنِّى خَـٰلِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } وقال { إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [ البقرة : 30 ] { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } فإذا أتممت خلقته وعدلته { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } الذي خلقته ، وأضافه إليه تخصيصاً كبيت الله وناقة الله ، والمعنى أحييته وجعلته حساساً متنفساً { فَقَعُواْ } أمر من وقع يقع أي اسقطوا على الأرض والمعنى اسجدوا { لَهُ سَـٰجِدِينَ } قيل : كان انحناء يدل على التواضع . وقيل : كان سجدة لله أو كان سجدة التحية { فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } « كل » للإحاطة وأجمعون للاجتماع فأفاد أنهم سجدوا عن آخرهم جميعهم في وقت واحد غير متفرقين في أوقات { إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ } تعظم عن السجود { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } وصار من الكافرين بإباء الأمر { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } ما منعك عن السجود { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } أي بلا واسطة امتثالاً لأمري وإعظاماً لخطابي ، وقد مر أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيده فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما حتى قيل في عمل القلب : هو ما عملت يداك ، حتى قيل لمن لا يدين له : يداك اوكتا وفوك نفخ . وحتى لم يبق فرق بين قولك « هذا مما عملته » و « هذا مما عملته يداك » ، ومنه قوله { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } [ يس : 71 ] و { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } { أَسْتَكْبَرْتَ } استفهام إنكار { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَـٰلِينَ } ممن علوت وفقت . وقيل : أستكبرت الآن أم لم تزل مذ كنت من المستكبرين . { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } يعني لو كان مخلوقاً من نار لما سجدت له لأنه مخلوق مثلي فكيف أسجد لمن هو دوني لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله ؟ وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهي { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ } مجرى المعطوف عطف البيان والإيضاح . { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا } من الجنة أو من السماوات أو من الخلقة التي أنت فيها ، لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته واسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسناً وأظلم بعدما كان نورانياً { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } مرجوم أي مطرود . تكبر إبليس أن يسجد لمن خلق من طين وزل عنه أن الله أمر به ملائكته واتبعوا أمره إجلالاً لخطابه وتعظيماً لأمره فصار مرجوماً ملعوناً بترك أمره { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى } بفتح الياء : مدني أي إبعادي من كل الخير { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } أي يوم الجزاء ولا يظن أن لعنته غايتها يوم الدين ثم تنقطع ، لأن معناه أن عليه اللعنة في الدنيا وحدها فإذا كان يوم الدين اقترن بها العذاب فينقطع الانفراد ، أو لما كان عليه اللعنة في أوان الرحمة فأولى أن تكون عليه في غير أوانها ، وكيف تنقطع وقد قال الله تعالى { فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى } فأمهلني { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } الوقت المعلوم الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى ، ويومه اليوم الذي وقت النفخة جزء من أجزائه ، ومعنى المعلوم أنه معلوم عند الله معين لا يتقدم ولا يتأخر { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي أقسم بعزة الله وهي سلطانه وقهره { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } وبكسر اللام : مكي وبصري وشامي . { قَالَ فَٱلْحَقُّ } بالرفع : كوفي غير عليّ على الابتداء أي الحق قسمي ، أو على الخبر أي أنا الحق . وغيرهم بالنصب على أنه مقسم به كقولك الله لأفعلن كذا يعني حذف عنه الباء فانتصب وجوابه { لأَمْلاَنَّ } { وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } اعتراض بين المقسم والمقسم عليه وهو منصوب بـ { أَقُولُ } ومعناه ولا أقول إلا الحق ، والمراد بالحق إما اسمه عز وجل الذي في قوله { أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } [ الحج : 6 ] أو الحق الذي هو نقيض الباطل عظمه الله بإقسامه به { لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ } من جنسك وهم الشياطين { وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } من ذرية آدم { أَجْمَعِينَ } أي لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحداً { قُلْ مَآ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } الضمير للقرآن أو للوحي { وَمَا أَنَا مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } من الذين يتصنعون ويتحلون بما ليسوا من أهله وما عرفتموني قط متصنعاً ولا مدعياً بما ليس عندي حتى أنتحل النبوة وأتقول القرآن { إِنْ هُوَ } ما القرآن { إِلاَّ ذِكْرٌ } من الله { لِّلْعَـٰلَمِينَ } للثقلين أوحى إليّ فأنا أبلغه . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " للمتكلف ثلاث علامات : ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم " { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ } نبأ القرآن وما فيه من الوعد والوعيد وذكر البعث والنشور { بَعْدَ حِينِ } بعد الموت أو يوم بدر أو يوم القيامة ، ختم السورة بالذكر كما افتتحها بالذكر والله الموفق .