Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 105-122)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ } أي محقاً { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ } بما عرفك وأوحى به إليك . وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله : بما ألهمك بالنظر في أصوله المنزلة ، وفيه دلالة جواز الاجتهاد في حقه { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ } لأجل الخائنين { خَصِيماً } مخاصماً أي ولا تخاصم اليهود لأجل بني ظفر { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } مما هممت به { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَلاَ تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } يخونونها بالمعصية جـعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم لأن الضرر راجع إليهم ، والمراد به طعمة ومن عاونه من قومه وهم يعلمون أنه سارق ، أو ذكر بلفظ الجمع ليتناول طعمه وكل من خان خيانته { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } وإنما قيل بلفظ المبالغة لأنه تعالى عالم من طعمة أنه مُفْرط في الخيانة وركوب المآثم . ورُوي أن طعمة هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطاً بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله . وقيل : إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات . وعن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكي وتقول : هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه ، فقال : كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة . { يَسْتَخْفُونَ } يستترون { مِنَ ٱلنَّاسِ } حياء منهم وخوفاً من ضررهم { وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ } ولا يستحيون منه { وَهُوَ مَعَهُمْ } وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليه خافٍ من سرهم ، وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياة والخشية من ربهم مع علمهم أنهم في حضرته لا سترة ولا غيبة { إِذْ يُبَيِّتُونَ } يدبرون وأصله أن يكون ليلاً { مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ } وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد ليسرّق دونه ويحلف أنه لم يسرقها ، وهو دليل على أن الكلام هو المعنى القائم بالنفس حيث سمى التدبير قولاً { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } عالماً علم إحاطة . { هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء } « ها » للتنبيه في « أنتم » و « أولاء » » وهما مبتدأ وخبر { جَـٰدَلْتُمْ } خاصمتم وهي جملة مبينة لوقوع « أولاء » خبراً كقولك لبعض الاسخياء « أنت حاتم تجود بمالك » . أو « أولاء » اسم موصول بمعنى « الذين » و « جادلتم » صلته والمعنى : هبوا أنكم خاصمتم { عَنْهُمْ } عن طعمة وقومه { فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه ؟ وقرىء « عنه » أي عن طعمة { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } حافظاً ومحامياً من بأس الله وعذابه . { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً } ذنباً دون الشرك { أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } بالشرك أو سوءاً قبيحاً يتعدى ضرره إلى الغير كما فعل طعمة بقتادة واليهودي ، أو يظلم نفسه بما يختص به كالحلف الكاذب { ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } يسأل مغفرته { يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } له وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } لأن وباله عليها { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } فلا يعاقب بالذنب غير فاعله { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً } صغيرة { أَوْ إِثْماً } أو كبيرة ، أو الأول ذنب بينه وبين ربه ، والثاني ذنب في مظالم العباد { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } كما رمى طعمة زيداً { فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَـٰناً } كذباً عظيماً { وَإِثْماً مُّبِيناً } ذنباً ظاهراً ، وهذا لأنه بكسب الإثم آثم ويرمي البريء باهت فهو جامع بين الأمرين ، والبهتان كذب يبهت من قيل عليه ما لا علم له به { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } أي عصمته ولطفه من الإطلاع على سرهم { لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ } من بني ظفر ، أو المراد بالطائفة بنو ظفر الضمير في « منهم » يعود إلى الناس { أَن يُضِلُّوكَ } عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل مع علمهم بأن الجاني صاحبهم { وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ } لأن وباله عليهم { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ } لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } القرآن { وَٱلْحِكْـمَةِ } والسنة { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } من أمور الدين والشرائع أو من خفيات الأمور وضمائر القلوب { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } فيما علمك وأنعم عليك . { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ } من تناجي الناس { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } إلا نجوى من أمر ، وهو مجرور بدل من « كثير » أو من « نجواهم » أو منصوب على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير { أَوْ مَعْرُوفٍ } أي قرض أو إغاثة ملهوف أو كل جميل ، أو المراد بالصدقة الزكاة وبالمعروف التطوع { أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي إصلاح ذات البين { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } المذكور { ٱبْتَغَاءَ مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ } طلب رضا الله وخرج عنه من فعل ذلك رياء أو ترؤساً وهو مفعول له . والإشكال أنه قال « إلا من أمر » ثم قال و « من يفعل ذلك » والجواب أنه ذكر الأمر بالخير ليدل به على فاعله لأنه إذا دخل الآمر به في زمرة الخيرين كان الفاعل فيهم أدخل ، ثم قال و « ومن يفعل ذلك » فذكر الفاعل وقرن به الوعد بالأجر العظيم . أو المراد ومن يأمر بذلك فعبر عن الأمر بالفعل { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } « يؤتيه » : أبو عمرو وحمزة . { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } ومن يخالف الرسول من بعد وضوح الدليل وظهور الرشد { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي السبيل الذي هم عليه من الدين الحنيفي ، وهو دليل على أن الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة ، لأن الله تعالى جمع بين أتباع غير سبيل المؤمنين وبين مشاقة الرسول في الشرط ، وجعل جزاءه الوعيد الشديد فكان اتباعهم واجباً كموالاة الرسول { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } نجعله والياً لما تولى من الضلال وندعه وما اختاره في الدنيا { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } في العقبي { وَسَاءَتْ مَصِيراً } قيل : هي في طعمة وارتداده . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } مر تفسيره في هذه السورة { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً بَعِيداً } عن الصواب { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } ما يعبدون من دون الله { إِلاَّ إِنَـٰثاً } جمع أنثى وهي اللات والعزى ومناة ، ولم يكن حي من العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بني فلان . وقيل : كانوا يقولون في أصنامهم هن بنات الله { وَإِن يَدْعُونَ } يعبدون { إِلاَّ شَيْطَـٰناً } لأنه هو الذي أغراهم على عبادة الأصنام فأطاعوه فجعلت طاعتهم له عبادة { مَّرِيداً } خارجاً عن الطاعة عارياً عن الخير ومنه الأمرد { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ } صفتان يعني شيطاناً مريداً جامعاً بين لعنة الله وهذا القول الشنيع { مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } مقطوعاً واجباً لي في كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وواحد لله . { وَلأُضِلَّنَّهُمْ } بالدعاء إلى الضلالة والتزيين والوسوسة ولو كان إنفاذ الضلالة إليه لأضل الكل { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } ولألقين في قلوبهم الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَـٰمِ } البتك : القطع . والتبتيك للتكثير والتكرير أي لأحملنهم على أن يقطعوا آذان الأنعام ، وكانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكراً وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } بفقء عين الحامي وإعفائه عن الركوب ، أو بالخصاء وهو مباح في البهائم محظور في بني آدم ، أو بالوشم أو بنفي الأنساب واستلحاقها ، أو بتغيير الشيب بالسواد ، أو بالتحريم والتحليل ، أو بالتخنث ، أو بتبديل فطرة الله التي هي دين الإسلام لقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } [ الروم : 30 ] . { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَـٰنَ وَلِيّاً مّن دُونِ ٱللَّهِ } وأجاب إلى ما دعاه إليه { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } في الدارين { يَعِدُهُمْ } يوسوس إليهم أن لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب { وَيُمَنِّيهِمْ } ما لا ينالون { وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } هو أن يرى شيئاً يظهر خلافه { أُوْلَٰـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } معدلاً ومفراً . { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } ولم يتبعوا الشيطان في الأمر بالكفر { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰـرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } وقرأ النخعي « سيدخلهم » { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّا } مصدران الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } قولاً وهو استفهام بمعنى النفي أي لا أحد أصدق منه وهو تأكيد ثالث ، وفائدة هذه التوكيدات مقابلة مواعيد الشيطان الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه .