Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-4)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نزلت بالمدينة آياتها مائة وست وسبعون آية { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } يا بني آدم { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم أبيكم { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } معطوف على محذوف كأنه قيل : من نفس واحدة أنشأها وخلق منها زوجها ، والمعنى شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها وهي أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حواء من ضلع من أضلاعه { وَبَثَّ مِنْهُمَا } ونشر من آدم وحواء { رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء } كثيرة أي وبث منهما نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث ، فوصفها بصفة هي بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها ، أو على خلقكم والخطاب في « يا أيها الناس » للذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمعنى خلقكم من نفس آدم وخلق منها أمكم حواء وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء غيركم من الأمم الفائتة للحصر . فإن قلت : الذي تقتضيه جزالة النظم أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يعدو إليها ، فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره داعياً إليها ؟ قلت : لأن ذلك مما يدل على القدرة العظيمة ، ومن قدر على نحوه كان قادراً على كل شيء ، ومن المقدورات عقاب الكفار والفجار فالنظر فيه يؤدي إلى أن يتقي القادر عليه ويخشى عقابه ، ولأنه يدل على النعمة السابغة عليهم فحقهم أن يتقوه في كفرانها . قال عليه السلام عند نزول الآية " خلقت المرأة من الرجل فهمّها في الرجل وخلق الرجل من التراب فهمّه في التراب " { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ } والأصل « تتساءلون » فأدغمت التاء في السين بعد إبدالها سيناً لقرب التاء من السين للهمس . « تساءلون به » بالتخفيف : كوفي على حذف التاء الثانية استثقالاً لاجتماع التاءين أي يسأل بعضكم بعضاً بالله وبالرحم فيقول بالله وبالرحم : افعل كذا على سبيل الاستعطاف { وَٱلأرْحَامَ } بالنصب على أنه معطوف على اسم الله تعالى أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، أو على موضع الجار والمجرور كقولك « مررت بزيد وعمراً » ، وبالجر : حمزة على عطف الظاهر على الضمير وهو ضعيف ، لأن الضمير المتصل كاسمه متصل والجار والمجرور كشيء واحد فأشبه العطف على بعض الكلمة { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } حافظاً أو عالماً . { وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ } يعني الذين ماتت آباؤهم فانفردوا عنهم . واليتم : الانفراد ومنه الدرة اليتيمة ، وقيل : اليتم في الأناسي من قبل الآباء ، وفي البهائم من قبل الأمهات ، وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال ، فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم زال هذا الاسم عنهم . وقوله عليه السلام " لا يتم بعد الحلم " تعليم شريعة لا لغة يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار . والمعنى وآتوا اليتامى أموالهم بعد البلوغ ، وسماهم يتامى لقرب عهدهم إذا بلغوا بالصغر ، وفيه إشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عن حد البلوغ أن أونس منهم الرشد ، وأن يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيّبِ } ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم ، أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث وهو اختزال أموال اليتامى بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها . والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز ومنه التعجل بمعنى الاستعجال { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ } « إلى » متعلقة بمحذوف وهي في موضع الحال أي مضافة إلى أموالكم . والمعنى ولا تضموها إليها في الإنفاق حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم وتسوية بينه وبين الحلال { إنّهُ } إن أكلها { كَانَ حُوباً كَبِيراً } ذنباً عظيماً { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ } أي لا تعدلوا . أقسط أي عدل { فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ } يقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور وهو جمع يتيمة ويتيم ، وأما أيتام فجمع يتيم لا غير { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } ما حل لكم { مّنَ ٱلنّسَاء } لأن منهن ماحرم الله كاللاتي في آية التحريم . وقيل : « ما » ذهاباً إلى الصفة لأن ما يجيء في صفات من يعقل فكأنه قيل : الطيبات من النساء ، ولأن الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء ومنه قوله تعالى { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } قيل : كانوا لا يتحرجون من الزنا ويتحرجون من ولاية اليتامى فقيل : إن خفتم الجور في حق اليتامى فخافوا الزنا فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات ، أو كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء مع أن الجور يقع بينهن إذا كثرن فكأنه قيل : إذا تحرجتم من هذا فتحرجوا من ذلك . وقيل : وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا من البالغات . يقال طابت الثمرة أي أدركت { مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } نكرات . وإنما منعت الصرف للعدل والوصف ، وعليه دل كلام سيبويه ومحلهن النصب على الحال « من النساء » أو « مما طاب » تقديره : فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثاً وثلاثاً وأربعاً أربعاً . فإن قلت : الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين اثنتين أو ثلاث أو أربع ، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع ؟ قلت : الخطاب للجميع فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، ولو أفردت لم يكن له معنى . وجيء بالواو لتدل على تجويز الجمع بين الفرق ، ولو جيء بـ « أو » مكانها لذهب معنى التجويز { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } بين هذه الأعداد { فَوٰحِدَةً } فالزموا أو فاختاروا واحدة { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } سوّى في اليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر { ذٰلِكَ } إشارة إلى اختيار الواحدة والتسري { أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } أقرب من أن لا تميلوا ولا تجوروا ، يقال عال الميزان عولاً إذا مال ، وعال الحاكم في حكمه إذا جار . ويحكى عن الشافعي رحمه الله أنه فسر « أن لا تعولوا » أن لا تكثر عيالكم واعترضوا عليه بأنه يقال : أعال يعيل إذا كثر عياله . وأجيب بأن يجعل من قولك « عال الرجل عياله يعولهم » كقولك « مانهم يمونهم » إذا أنفق عليهم لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم ، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال . وكلام مثله من أعلام العلم حقيق بالحمل على السداد وأن لا يظن به تحريف تعيلوا إلى تعولوا كأنه سلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ } مهورهن { نِحْلَةً } من نحله كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلاً ، وانتصابها على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء فكأنه قال : وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة أي أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم ، أو على الحال من المخاطبين أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء ، أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيبة الأنفس . وقيل : نحلة من الله تعالى عطية من عنده وتفضلاً منه عليهن . وقيل : النحلة الملة وفلان ينتحل كذا أي يدين به يعني وآتوهن مهورهن ديانة على أنها مفعول لها . والخطاب للأزواج ، وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ } للأزواج { عَن شَىْء مّنْهُ } أي من الصداق إذ هو في معنى الصدقات { نَفْساً } تمييز وتوحيدها لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه ، والمعنى فإن وهبن لكم شيئاً من الصدقات وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقهم وسوء معاشرتكم . وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقيل « فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً » ولم يقل « فإن وهبن لكم » إعلاماً بأن المراعي هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة { فَكُلُوهُ } الهاء يعود على « شيء » { هَنِيئَاً } لا إثم فيه { مَّرِيئاً } لا داء فيه ، فسرهما النبي عليه السلام أو هنيئاً في الدنيا بلا مطالبة ، مريئاً في العقبى بلا تبعة ، وهما صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه ، وهما وصف مصدر أي أكلاً هنيئاً مريئاً ، أو حال من الضمير أي كلوه وهو هنيء مريء ، وهذه عبارة عن المبالغة في الإباحة وإزالة التبعة . هنياً مرياً بغير همز : يزيد ، وكذا حمزة في الوقف ، وهمزهما الباقون . وعن علي رضي الله عنه : إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها ثم ليشتر بها عسلاً فليشربه بماء السماء فيجمع الله له هنيئاً ومريئاً وشفاء ومباركاً .