Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-46)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } قيل : العبودية أربعة : الوفاء بالعهود ، والرضا بالموجود ، والحفظ للحدود ، والصبر على المفقود { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } صنماً وغيره ويحتمل المصدر أي إشراكاً { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } وأحسنوا بهما إحساناً بالقول والفعل والإنفاق عليهما عند الاحتياج { وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ } وبكل من بينكم وبينه قربى من أخ أو عم أو غيرهما { وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } الذي قرب جواره { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } أي الذي جواره بعيد أو الجار القريب النسيب ، والجار الجنب الأجنبي { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } أي الزوجة : عن عليّ رضي الله عنه . أو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقاً في سفر أو شريكاً في تعلم علم أو غيره أو قاعداً إلى جنبك في مجلس أو مسجد { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } الغريب أو الضعيف { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } العبيد والإماء { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } متكبراً يأنف عن قرابته وجيرانه فلا يلتفت إليهم { فَخُوراً } يعدد مناقبه كبراً فإن عدها اعترافاً كان شكوراً { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } نصب على البدل من « مَنْ كان مختالاً فخوراً » وجمع على معنى « من » أو على الذم ، أو رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره « هم الذين يبخلون » { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } « بالبَخَل » : حمزة وعلي وهما لغتان كالرشد والرشد أي يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتاً للسخاء . قيل : البخل أن يأكل بنفسه ولا يؤكل غيره ، والشح أن لا يأكل ولا يؤكل ، والسخاء أن يأكل ويؤكل ، والجود أن يؤكل ولا يأكل . { وَيَكْتُمُونَ مَا ءَاتَٰهُمُٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } ويخفون ما أنعم الله عليهم به من المال وسعة الحال ، وفي الحديث " إذا أنعم الله على عبده نعمة أحب أن يرى نعمته على عبده " وبنى عامل للرشيد قصراً حذاء قصره فنم به فقال الرجل : يا أمير المؤمنين إن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته ، فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه . وقيل : نزلت في شأن اليهود الذين كتموا صفة محمد عليه السلام . { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } أي يهانون به في الآخرة . { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ } معطوف على « الذين يبخلون » أو على « الكافرين » { رِئَاء ٱلنَّاسِ } مفعول له أي للفخار وليقال ما أجودهم لا لابتغاء وجه الله وهم المنافقون أو مشركو مكة { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً } حيث حملهم على البخل والرياء وكل شر ، ويجوز أن يكون وعيداً لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } وأي تبعة ووبال عليهم في الإيمان والإنفاق في سبيل الله والمراد الذم والتوبيخ وإلا فكل منفعة ومصلحة في ذلك ، وهذا كما يقال للعاق « ما ضرك لو كنت باراً » وقد علم أنه لا مضرة في البر ولكنه ذم وتوبيخ { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } وعيد . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } هي النملة الصغيرة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدخل يده في التراب فرفعه ثم نفخ فيه فقال : كل واحدة من هؤلاء ذرة . وقيل : كل جزء من أجزاء الهباء في الكوة ذرة . { وَإِن تَكُ حَسَنَةً } وإن يك مثقال الذرة حسنة . وإنما أنث ضمير المثقال لكونه مضافاً إلى مؤنث . « حسنةٌ » : حجازي على « كان » التامة ، وحذفت النون من « تكن » تخفيفاً لكثرة الاستعمال { يُضَـٰعِفْهَا } يضاعف ثوابها . « يضعفّها » : مكي وشامي { وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } ويعط صاحبها من عنده ثواباً عظيماً ، وما وصفه الله بالعظم فمن يعرف مقداره مع أنه سمى متاع الدنيا قليلاً . وفيه إبطال قول المعتزلة في تخليد مرتكب الكبيرة مع أن له حسنات كثيرة . { فَكَيْفَ } يصنع هؤلاء الكفرة من الهيود وغيرهم { إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم { وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد { عَلَىٰ هَٰـؤُلاء } أي أمتك { شَهِيداً } حال أي شاهداً على من آمن بالإيمان وعلى من كفر بالكفر وعلى من نافق بالنفاق . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ سورة النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله : « وجئنا بك على هؤلاء شهيداً » . فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " حسبنا . " { يَوْمَئِذٍ } ظرف لقوله { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله { وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى ، أو يودون أنهم لم يبعثوا وأنهم كانوا والأرض سواء ، أو تصير البهائم تراباً فيودون حالها . « تسوى » بفتح التاء وتخفيف السين والإمالة وحذف إحدى التاءين من « تتسوى » : حمزة وعلي . « تسوى » بإدغام التاء في السين : مدني وشامي { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } مستأنف أي ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم . ولما صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً وشراباً ودعا نفراً من الصحابة رضي الله عنهم حين كانت الخمر مباحة ، فأكلوا وشربوا فقدموا أحدهم ليصلي بهم المغرب فقرأ « قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد » ونزل : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } أي لا تقربوها في هذه الحالة { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } أي تقرأون ، وفيه دليل على أن ردة السكران ليست بردة ، لأن قراءة سورة « الكافرين » بطرح اللامات كفر ولم يحكم بكفره حتى خاطبهم باسم الإيمان ، وما أمر النبي عليه السلام بالتفريق بينه وبين امرأته ولا بتجديد الإيمان ، ولأن الأمة اجـتمعت على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه مخطئاً لا يحكم بكفره { وَلاَ جُنُباً } عطف على « وأنتم سكارى » لأن محل الجملة مع الواو النصب على الحال كأنه قيل : لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنباً أي ولا تصلوا جنباً . والجنب يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب { إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } صفة لقوله « جنباً » أي لا تقربوا الصلاة جنباً غير عابري سبيل أي جنباً مقيمين غير مسافرين ، والمراد بالجنب الذين لم يغتسلوا كأنه قيل : لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين { حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } إلا أن تكونوا مسافرين عادمين الماء متيممين ، عبّر عن المتيمم بالمسافر لأن غالب حاله عدم الماء وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، وهو مروي عن علي رضي الله عنه . وقال الشافعي رحمه الله : لا تقربوا الصلاة أي مواضع الصلاة وهي المساجد ، ولا جنباً أي ولا تقربوا المسجد جنباً إلا عابري سبيل إلا مجتازين فيه ، فيجوز للجنب العبور في المسجد عند الحاجة . { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن ٱلْغَآئِطِ } أي المطمئن من الأرض وكانوا يأتونه لقضاء الحاجة فكنى بن عن الحدث { أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاءَ } جامعتموهن كذا عن علي رضي الله عنه وابن عباس { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً } فلم تقدروا على استعماله لعدمه أو بعده أو فقد آلة الوصول إليه أو لمانع من حية أو سبع أو عدو { فتيمّموا } أدخل في حكم الشرط أربعة وهم : المرضى والمسافرون والمحدثون وأهل الجنابة . والجزاء الذي هو الأمر بالتيمم متعلق بهم جميعاً ؛ فالمرضى إذا عدموا الماء لضعف حركتهم وعجزهم عن الوصول إليه ، والمسافرون إذا عدموه لبعده ، والمحدثون وأهل الجنابة إذا لم يجدوه لبعض الأسباب فلهم أن يتيمموا . « لمستم » : حمزة وعلي { صَعِيداً } قال الزجاج : هو وجه الأرض تراباً كان أو غيره ، وإن كان صخراً لا تراب عليه لو ضرب المتيمم يده ومسح لكان ذلك طهوره . و « من » في سورة المائدة لابتداء الغاية لا للتبعيض { طَيّباً } طاهراً { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } قيل : الباء زائدة { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً } بالترخيص والتيسير { غَفُوراً } عن الخطأ والتقصير . { أَلَمْ تَرَ } من رؤية القلب وعدي « بإلى » على معنى « ألم ينته علمك إليهم » أو بمعنى « ألم تنظر إليهم » { إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } حظاً من علم التوراة وهم أحبار اليهود { يَشْتَرُونَ ٱلضَّلـٰلَةَ } يستبدلونها بالهدى وهوالبقاء على اليهودية بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه هو النبي العربي المبشر به في التوراة والإنجيل { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ } أنتم أيها المؤمنون { ٱلسَّبِيلَ } أي سبيل الحق كما ضلوه { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ } منكم { بِأَعْدَائِكُمْ } وقد أخبركم بعداوة هؤلاء فاحذروهم ولا تستنصحوهم في أموركم { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً } في النفع { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } في الدفع فثقوا بولايته ونصرته دونهم ، أو لا تبالوا بهم فإن الله ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم . و « ولياً » و « نصيراً » منصوبان على التمييز أو على الحال . { مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } بيان للذين أوتوا نصيباً من الكتاب ، أو بيان لأعدائكم ، وما بينهما اعتراض ، أن يتعلق بقوله « نصيراً » أي ينصركم من الذين هادوا كقوله { وَنَصَرْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } [ الأنبياء : 77 ] أو يتعلق بمحذوف تقديره : من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم ، فقوم مبتدأ و « يحرفون » صفة له ، والخبر « من الذين هادوا » مقدم عليه ، وحذف الموصوف وهو قوم وأقيم صفته ، وهو { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلماً غيره فقد أمالوه عن مواضعه في التوراة التي وضعه الله تعالى فيها وأزالوه عنها مقامه وذلك نحو تحريفهم « أسمر ربعة » عن موضعه في التوراة بوضعهم « آدم طوال » مكانه . ثم ذكر هنا « عن مواضعه » وفي المائدة { مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ } [ المائدة : 41 ] فمعنى « عن مواضعه » على ما بينا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه ، ومعنى { مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ } أنه كانت له مواضع هو جدير بأن يكون فيها ، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره والمعنيان متقاربان { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك قيل أسرّوا به { وَٱسْمَعْ } قولنا { غَيْرَ مُسْمَعٍ } حال من المخاطب أي اسمع وأنت غير مسمع وهو قول ذو وجهين يحتمل الذم أي اسمع منا مدعواً عليك بلا سمعت ، لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع شيئاً فكان أصم غير مسمع ، قالوا ذلك اتكالاً على أن قولهم « لا سمعت » دعوة مستجـابة ، أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعوه إليه ومعناه غير مسمع جواباً يوافقك فكأنك لم تسمع شيئاً ، أو إسمع غير مسمع كلاماً ترضاه فسمعك عنه ناب . ويحتمل المدح أي اسمع غير مسمع مكروهاً من قولك « أسمع فلان فلاناً » إذا سبه . وكذلك قوله { وَرٰعِنَا } يحتمل راعنا نكلمك أي ارقبنا وانتظرنا ، ويحتمل شبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها وهي « راعينا » فكانوا سخرية بالدين وهزؤوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والإكرام { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } فتلا بها وتحريفاً أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون « راعنا » موضع « انظرنا » و « غير مسمع » موضع « لا أسمعت مكروهاً » ، أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقاً { وَطَعْناً فِي ٱلدّينِ } هو قولهم : « لو كان نبياً حقاً لأخبر بما نعتقد فيه » { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ولم يقولوا وعصينا { وَٱسْمَعْ } ولم يلحقوا به غير مسمع { وَٱنْظُرْنَا } مكان « راعنا » { لَكَانَ } قولهم ذاك { خَيْراً لَّهُمْ } عند الله { وَأَقْوَمَ } وأعدل وأسد { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } طردهم وأبعدهم عن رحمته بسبب اختيارهم الكفر { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } منهم قد آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه ، أو إلا إيماناً قليلاً ضعيفاً لا يعبأ به وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره .