Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 33-50)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ } { ٱلرّيَاحِ } مدني { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ } ثوابت لا تجري { عَلَىٰ ظَهْرِهِ } على ظهر البحر { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ } على بلائه { شَكُورٍ } لنعمائه أي لكل مؤمن مخلص فالإيمان نصفان : نصف شكر ونصف صبر . أو صبار على طاعته شكور لنعمته { أَوْ يُوبِقْهُنَّ } يهلكهن فهو عطف على { يُسْكِنِ } والمعنى إن يشأ يسكن الريح فيركدن أو يعصفها فيغرقن بعصفها { بِمَا كَسَبُواْ } من الذنوب { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } منها فلا يجازي عليها . وإنما أدخل العفو في حكم الإيباق حيث جزم جزمه لأن المعنى أو إن يشأ يهلك ناساً وينج ناساً على طريق العفو عنهم { وَيَعْلَمَ } بالنصب عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم { ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءَايَـٰتِنَا } أي في إبطالهما ودفعها ، { وَيَعْلَمُ } مدني وشامي على الاستئناف { مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ } مهرب من عذابه { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَىْءٍ فَمَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من الثواب { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } « ما » الأولى ضمنت معنى الشرط فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية . نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بجميع ماله فلامه الناس { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ } عطف على { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وكذا ما بعده { كَبَـٰئِرَ ٱلإثْمِ } أي الكبائر من هذا الجنس ، { كَبِيرَ ٱلإِثْمِ } علي وحمزة . وعن ابن عباس : كبير الإثم هو الشرك . { وَٱلْفَوٰحِشَ } قيل : ما عظم قبحه فهو فاحشة كالزنا { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ } من أمور دنياهم { هُمْ يَغْفِرُونَ } أي هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب والمجيء بهم . وإيقاعه مبتدأ وإسناد { يَغْفِرُونَ } إليه لهذه الفائدة ومثله { هُمْ يَنتَصِرُونَ } . { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ } نزلت في الأنصار دعاهم الله عز وجل للإيمان به وطاعته فاستجابوا له بأن آمنوا به وأطاعوه { وَأَقَامُوا ٱلصَّلَٰوةَ } وأتموا الصلوات الخمس { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } أي ذو شورى لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه ، وعن الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم ، والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } يتصدقون . { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ } الظلم { هُمْ يَنتَصِرُونَ } ينتقمون ممن ظلمهم أي يقتصرون في الانتصار على ما جعله الله تعالى لهم ولا يعتدون ، وكانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجتريء عليهم الفساق . وإنما حمدوا على الانتصار لأن من انتصر وأخذ حقه ولم يجاوز في ذلك حد الله فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم فهو مطيع لله وكل مطيع محمود . ثم بين حد الانتصار فقال { وَجَزَٰؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } فالأولى سيئة حقيقة والثانية لا . وإنما سميت لأنها مجازاة السوء ، أو لأنها تسوء من تنزل به ، ولأنه لو لم تكن الأولى لكانت الثانية سيئة لأنها إضرار ، وإنما صارت حسنة لغيرها ، أو في تسمية الثانية سيئة إشارة إلى أن العفو مندوب إليه . والمعنى أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء { فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الذين يبدءون بالظلم أو الذين يجاوزون حد الانتصار . في الحديث : " ينادي منادٍ يوم القيامة من كان له أجر على الله فليقم فلا يقوم إلا من عفا " { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي أخذ حقه بعدما ظلم على إضافة المصدر إلى المفعول { فَأُوْلَـئِكَ } إشارة إلى معنى من دون لفظه { مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } للمعاقب ولا للمعاتب والمعايب { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } يبتدئونهم بالظلم { وَيَبْغُونَ فِى ٱلأَرْضِ } يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وفسر السبيل بالتبعة والحجة { وَلَمَن صَبَرَ } على الظلم والأذى { وَغَفَرَ } ولم ينتصر { إِنَّ ذٰلِكَ } أي الصبر والغفران منه { لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي من الأمور التي ندب إليها أو مما ينبغي أن يوجبه العاقل على نفسه ولا يترخص في تركه . وحذف الراجع أي « منه » لأنه مفهوم كما حذف من قولهم : السمن منوان بدرهم ، وقال أبو سعيد القرشي : الصبر على المكاره من علامات الانتباه ، فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه الله تعالى حال الرضا وهو أجل الأحوال ، ومن جزع من المصيبات وشكا وكله الله تعالى إلى نفسه ثم لم تنفعه شكواه . { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِىٍّ مِّن بَعْدِهِ } فما له من أحد يلي هدايته من بعد إضلال الله إياه ويمنعه من عذابه { وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } يوم القيامة { لَمَّا رَأَوُاْ ٱْلَعَذَابَ } حين يرون العذاب واختير لفظ الماضي للتحقيق { يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } يسألون ربهم الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا به . { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } على النار إذ العذاب يدل عليها { خـٰشِعِينَ } متضائلين متقاصرين مما يلحقهم { مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ } إلى النار { مِن طَرْفٍ خَفِىٍّ } ضعيف بمسارقة كما ترى المصبور ينظر إلى السيف . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } { يَوْمٍ } متعلق بـ { خَسِرُواْ } وقول المؤمنين واقع في الدنيا أو يقال أي يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة { أَلآ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ } دائم { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } من دون عذابه { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } إلى النجاة { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ } أي أجيبوه إلى ما دعاكم إليه { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ } أي يوم القيامة { لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } « من » يتصل بـ { لاَّ مَرَدَّ } أي لا يرده الله بعدما حكم به ، أو بـ { يَأْتِىَ } أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } أي ليس لكم مخلص من العذاب ولا تقدرون أن تنكروا شيئاً مما اقترفتموه ودوّن في صحائف أعمالكم ، والنكير الإنكار { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } عن الإيمان { فَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } رقيباً { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } ما عليك إلا تبليغ الرسالة وقد فعلت { وَإِنَّآ إِذَا أَذَقْنَا ٱلإنسَـٰنَ } المراد الجمع لا الواحد { مِنَّا رَحْمَةً } نعمة وسعة وأمناً وصحة { فَرِحَ بِهَا } بطر لأجلها { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } بلاء كالمرض والفقر ونحوهما . وتوحيد فرح باعتبار اللفظ والجمع في { وَإِن تُصِبْهُمْ } باعتبار المعنى { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } بسبب معاصيهم { فَإِنَّ ٱلإنسَـٰنَ كَفُورٌ } ولم يقل فإنه كفور ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال : { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] . والكفور البليغ الكفران . والمعنى أنه يذكر البلاء وينسى النعم ويغمطها . قيل : أريد به كفران النعمة . وقيل : أريد به الكفر بالله تعالى . { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـٰثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ } أي يقرنهم { ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } لما ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها ، أتبع ذلك أن له تعالى الملك وأنه يقسم النعمة والبلاء كيف أراد ويهب لعباده من الأولاد ما يشاء ، فيخص بعضاً بالإناث ، وبعضاً بالذكور ، وبعضاً بالصنفين جميعاً ، ويجعل البعض عقيماً . والعقيم التي لا تلد وكذلك رجل عقيم إذا كان لا يولد له . وقدم الإناث أولاً على الذكور لأن سياق الكلام أنه فاعل لما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان ، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم والأهم واجب التقديم ، وليلي الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ذكر البلاء . ولما أخر الذكور وهم أحقاء بالتقديم تدارك تأخيرهم بتعريفهم لأن التعريف تنويه وتشهير ، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير وعرّف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ولكن لمقتض آخر فقال { ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً } . وقيل : نزلت في الأنبياء عليهم السلام حيث وهب للوط وشعيب إناثاً ، ولإبراهيم ذكوراً ، ولمحمد صلى الله عليه وسلم ذكوراً وإناثاً ، وجعل يحيـى وعيسى عليهما السلام عقيمين { إِنَّهُ عَلِيمٌ } بكل شيء { قَدِيرٌ } قادر على كل شيء .