Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 56-65)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } يتخذه ولياً أو يكن ولياً { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } من إقامة الظاهر مقام الضمير أي فإنهم هم الغالبون ، أو المراد بحزب الله الرسول والمؤمنون أي ومن يتولهم فقد تولى حزب الله ، واعتضد بمن لا يغالب . وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمرٍ حزبهم أي أصابهم . وروي أن رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً } يعني اتخاذهم دينكم هزواً ولعباً لا يصح أن يقابل باتخاذكم إياهم أولياء بل يقابل ذلك بالبغضاء والمنابذة { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } « من » للبيان { مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ } أي المشركين وهو عطف على « الذين » المنصوبة . و « الكفار » بصري وعلي عطف على الذين المجرورة أي من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار { أَوْلِيَاءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في موالاة الكفار { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } حقاً لأن الإيمان حقاً يأبى موالاة أعداء الدين { وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا } أي الصلاة أو المناداة { هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } لأن لعبهم وهزوهم من أفعال السفهاء والجهلة فكأنهم لا عقل لهم ، وفيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ } يعني هل تعيبون منا وتنكرون إلا الإيمان بالله وبالكتب المنزلة كلها { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـٰسِقُونَ } وهو عطف على المجرور أي ما تنقمون منا إلا الإيمان بالله وما أنزل وبأن أكثركم فاسقون ، والمعنى أعاديتمونا لأنا اعتقدنا توحيد الله وصدق أنبيائه وفسقكم لمخالفتكم لنا في ذلك ؟ ويجوز أن يكون الواو بمعنى « مع » أي ما تنقمون منا إلا الإيمان بالله مع أنكم فاسقون . { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ } أي ثواباً وهو نصب على التمييز والمثوبة وإن كانت مختصة بالإحسان ولكنها وضعت موضع العقوبة كقوله { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] وكان اليهود يزعمون أن المسلمين مستوجبون للعقوبة فقيل لهم { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } شر عقوبة في الحقيقة من أهل الإسلام في زعمكم وذلك إشارة إلى المتقدم أي الإيمان أي بشر مما نقمتم من إيماننا ثواباً أي جزاء ، ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل « من » تقديره : بشر من أهل ذلك أو دين من لعنه الله { وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ } يعني أصحاب السبت { وَٱلْخَنَازِيرَ } أي كفار أهل مائدة عيسى عليه السلام ، أو كلا المسخين من أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير { وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ } أي العجل أو الشيطان لأن عبادتهم العجل بتزيين الشيطان وهو عطف على صلة « من » كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت . « وعبد الطاغوتِ » حمزة جعله اسماً موضوعاً للمبالغة كقولهم « رجل حذر وفطن » للبليغ في الحذر والفطنة ، وهو معطوف على « القردة والخنازير » أي جعل الله منهم عبد الطاغوت { أُوْلَـٰئِكَ } الممسوخون الملعونون { شَرٌّ مَّكَاناً } جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله للمبالغة { وَأَضَلُّ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } عن قصد الطريق الموصل إلى الجنة . ونزل في ناس من اليهود كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويظهرون له الإيمان نفاقاً . { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } الباء للحال أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين وتقديره ملتبسين بالكفر ، وكذلك قد دخلوا وهم قد خرجوا ولذا دخلت « قد » تقريباً للماضي من الحال وهو متعلق بـ « قالوا آمنا » أي قالوا ذلك وهذه حالهم { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } من النفاق { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } من اليهود { يُسَـٰرِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ } الكذب { وَالْعُدْوٰنِ } الظلم . أو الإثم ما يختص بهم ، والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم ، والمسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } الحرام { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } لبئس شيئاً عملوه { لَوْلاَ } هلا وهو تحضيض { يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } هذا ذم للعلماء والأول للعامة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي أشد آية في القرآن حيث أنزل تارك النهي عن المنكر منزلة مرتكب المنكر في الوعيد . { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } روي أن اليهود لعنهم الله لما كذبوا محمداً عليه السلام كف الله ما بسط عليهم من السعة وكانوا من أكثر الناس مالاً ، فعند ذلك قال فنحاص : يد الله مغلولة ورضي بقوله الآخرون فأشركوا فيه . وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [ الإسراء : 29 ] . ولا يقصد المتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط حتى إنه يستعمل في ملك يعطي ويمنع بالإشارة من غير استعمال اليد ، ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزلاً لقالوا ما أبسط يده بالنوال . وقد استعمل حيث لا تصح اليد يقال : بسط البأس كفيه في صدري فجعل للبأس الذي هو من المعاني كفان ، ومن لم ينظر في علم البيان يتحير في تأويل أمثال هذه الآية . وقوله « غلت أيديهم » دعاء عليهم بالبخل ومن ثم كانوا أبخل خلق الله ، أو تغل في جهنم فهي كأنها غلت وإنما ثنيت اليد في « بل يداه مبسوطتان » وهي مفردة في « يد الله مغلولة » ليكون رد قولهم وإنكاره أبلغ وأدل على إثبات غاية السخاء له ونفي البخل عنه ، فغاية ما يبذله السخي أن يعطيه بيديه { يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } تأكيد للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم } من اليهود { مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طُغْيَـٰناً وَكُفْراً } أي يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تمادياً في الجحود وكفراً بآيات الله ، وهذا من إضافة الفعل إلى السبب كما قال « فزادتهم رجساً إلى رجسهم » . { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } فكلمهم أبداً مختلف وقلوبهم شتى لا يقع بينهم اتفاق ولا تعاضد { كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا لم يقم لهم نصر من الله على أحد قط ، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس . وقيل : كلما حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر عليهم . عن قتادة : لا تلقي يهودياً في بلد إلا وقد وجدته من أذل الناس { وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } ويجتهدون في دفع الإسلام ومحو ذكر النبي عليه السلام من كتبهم { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ ءَامَنُواْ } برسول الله عليه السلام وبما جاء به مع ما عددنا من سيئآتهم { وَٱتَّقَوْاْ } أي وقرنوا إيمانهم بالتقوى { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ } ولم نؤاخذهم بها { وَلأَدْخَلْنَـٰهُمْ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } مع المسلمين .