Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 8-22)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَـٰجَوْنَ بِٱلإثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين ويريدون أن يغيظوهم ويوهموهم في نجواهم وتغامزهم أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادوا لمثل فعلهم وكان تناجيهم بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ومخالفته ، { وينتجون } حمزة وهو بمعنى الأول { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ } يعني أنهم يقولون في تحيتك : السام عليك يا محمد . والسام الموت والله تعالى يقول { وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى } النمل : 59 ) ، { يَٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } [ المائدة : 67 ] ، { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ } [ الأحزاب : 1 ] { وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } أي يقولون فيما بينهم لو كان نبياً لعاقبنا الله بما نقوله فقال الله تعالى { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } عذاباً { يَصْلَوْنَهَا } حال أي يدخلونها { فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } المرجع جهنم . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بألسنتهم وهو خطاب للمنافقين والظاهر أنه خطاب للمؤمنين { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَـٰجَوْاْ بِٱلإثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } أي إذا تناجيتم فلا تشبهوا باليهود والمنافقين في تناجيهم بالشر { وَتَنَـٰجَوْاْ بِٱلْبِرّ } بأداء الفرائض والطاعات { وَٱلتَّقْوَىٰ } وترك المعاصي { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } للحساب فيجازيكم بما تتناجون به من خير أو شر { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ } بالإثم والعدوان { مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } من تزيينه { لِيَحْزُنَ } أي الشيطان وبضم الياء : نافع { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَيْسَ } الشيطان أو الحزن { بِضَارّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بعلمه وقضائه وقدره { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي يكلون أمرهم إلى الله ويستعيذون به من الشيطان . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ } ( في المجلس ) توسعوا فيه ، { فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ } عاصم ونافع والمراد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يتضامون فيه تنافساً على القرب منه وحرصاً على استماع كلامه . وقيل : هو المجلس من مجالس القتال وهي مراكز الغزاة كقوله { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } [ آل عمران : 121 ] . مقاتل في صلاة الجمعة { فَٱفْسَحُواْ } فوسعوا { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } مطلق في كل ما يبتغي الناس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر غير ذلك { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ } انهضوا للتوسعة على المقبلين ، أو انهضوا عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتم بالنهوض عنه ، أو انهضوا إلى الصلاة والجهاد وأعمال الخير { فَانشُزُواْ } بالضم فيهما : مدني وشامي وعاصم غير حماد { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ } بامتثال أوامره وأوامر رسوله { وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } والعالمين منهم خاصة { دَرَجَـٰتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } وفي الدرجات قولان : أحدهما في الدنيا في المرتبة والشرف ، والآخر في الآخرة . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال : يا أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب " وعنه صلى الله عليه وسلم : " عبادة العالم يوماً واحداً تعدل عبادة العابد أربعين سنة " وعنه صلى الله عليه وسلم " يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء " فأعظم بمرتبة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وعن ابن عباس رضي الله عنهما : خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه . وقال صلى الله عليه وسلم : " أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم " وعن بعض الحكماء : ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم ، وأي شيء فات من أدرك العلم . وعن الزبيري : العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال ، والعلوم أنواع فأشرها أشرفها معلوماً . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَـٰجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ } إذا أردتم مناجاته { فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوٰكُمْ صَدَقَةً } أي قبل نجواكم وهي استعارة ممن له يدان كقول عمر رضي الله عنه : من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته { ذٰلِكَ } التقديم { خَيْرٌ لَّكُمْ } في دينكم { وَأَطْهَرُ } لأن الصدقة طهرة { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ } ما تتصدقون به { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } في ترخيص المناجاة من غير صدقة . قيل : كان ذلك عشر ليال ثم نسخ . وقيل : ما كان إلا ساعة من نهار ثم نسخ . وقال علي رضي الله عنه : هذه آية من كتاب الله ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر مسائل فأجابني عنها . قلت : يا رسول الله ما الوفاء ؟ قال : " التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله " قلت : وما الفساد ؟ قال : " الكفر والشرك بالله " قلت : وما الحق ؟ قال : " الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك " قلت : وما الحيلة ؟ قال : " ترك الحيلة " قلت : وما عليّ ؟ قال : " طاعة الله وطاعة رسوله " قلت : وكيف أدعو الله تعالى ؟ قال : " بالصدق واليقين " قلت : وماذا أسأل الله ؟ قال : " العافية " قلت : وما أصنع لنجاة نفسي ؟ قال : " كل حلالاً وقل صدقاً " قلت : وما السرور ؟ قال : " الجنة " قلت : وما الراحة ؟ قال : " لقاء الله " فلما فرغت منها نزل نسخها . { ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوٰكُمْ صَدَقَـٰتٍ } أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من الإنفاق الذي تكرهونه { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ } ما أمرتم به وشق عليكم { وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي خفف عنكم وأزال عنكم المؤاخذة بترك تقديم الصدقة على المناجاة كما أزال المؤاخذة بالذنب عن التائب عنه { فَأَقِمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَطِعُواْ ٱللهَ وَرَسُولِهُ } أي فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وهذا وعد ووعيد . { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [ المائدة : 60 ] وينقلون إليهم أسرار المؤمنين { مَّا هُم مّنكُمْ } يا مسلمون { وَلاَ مِنْهُمْ } ولا من اليهود كقوله : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء } [ النساء : 143 ] { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ } أي يقولون والله إنا لمسلمون لا منافقون { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون منافقون { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } نوعاً من العذاب متفاقماً { إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي إنهم كانوا في الزمان الماضي مصرين على سوء العمل أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة . { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ } الكاذبة { جَنَّةُ } وقاية دون أموالهم ودمائهم { فَصَدُّواْ } الناس في خلال أمنهم وسلامتهم { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } عن طاعته والإيمان به { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } وعدهم العذاب المخزي لكفرهم وصدهم كقوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } [ النحل : 88 ] { لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلـٰدُهُم مّنَ ٱللَّهِ } من عذاب الله { شَيْئاً } قليلاً من الإغناء { أُولَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ } أي لله في الآخرة أنهم كانوا مخلصين في الدنيا غير منافقين { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } في الدنيا على ذلك { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ } في الدنيا { عَلَىٰ شَىْءٍ } من النفع أو يحسبون أنهم على شيء من النفع ثم بأيمانهم الكاذبة كما انتفعوا ههنا { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ } حيث استوت حالهم فيه في الدنيا والآخرة . { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } استولى عليهم { فَأَنسَـٰهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ } قال شاه الكرماني : علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والمشارب والملابس ، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمائه والقيام بشكرها ، ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان ، ويشغل لبه عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها { أُوْلَـئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَـٰنِ } جنده { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَـٰنِ هُمُ الخَـٰسِرُونَ } . { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ فِى ٱلأَذَلّينَ } في جملة من هو أذل خلق الله تعالى لا ترى أحداً أذل منهم { كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } في اللوح { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } بالحجة والسيف أو بأحدهما { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ } لا يمتنع عليه ما يريد { عَزِيزٌ } غالب غير مغلوب . { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ } هو مفعول ثان لـ { تَجِدُ } أو حال أو صفة لـ { قَوْماً } وتجد بمعنى تصادف على هذا { مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ } خالفه وعاداه { وَرَسُولُهُ } أي من الممتنع أن تجد قوماً مؤمنين يوالون المشركين ، والمراد أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في الزجر عن مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والاحتراز عن مخالطتهم ومعاشرتهم . وزاد ذلك تأكيداً وتشديداً بقوله { وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } وبقوله { أُوْلَـئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلإيمَـٰنَ } أي أثبته فيها وبمقابلة قوله { أُوْلَـئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَـٰنِ } بقوله { أُوْلَـئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ } { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ } أي بكتاب أنزله فيه حياة لهم ، ويجوز أن يكون الضمير للإيمان أي بروح من الإيمان على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به . وعن الثوري أنه قال : كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان . وعن عبد العزيز بن أبي رواد أنه لقيه المنصور فلما عرفه هرب منه وتلاها . وقال سهل : من صحح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس بمبتدع ولا يجالسه ويظهر له من نفسه العداوة ، ومن داهن مبتدعاً سلبه الله حلاوة السنن ، ومن أجاب مبتدعاً لطلب عز الدنيا أو غناها أذله الله بذلك العز وأفقره بذلك الغنى ، ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه ، ومن لم يصدق فليجرب . { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا رَضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } بتوحيدهم الخالص وطاعتهم { وَرَضُواْ عَنْهُ } بثوابه الجسيم في الآخرة أو بما قضى عليهم في الدنيا { أُوْلَـئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ } أنصار حقه ودعاة خلقه { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الباقون في النعيم المقيم الفائزون بكل محبوب الآمنون من كل مرهوب .