Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 1-12)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مكية وهي مائة وخمس وستون آية كوفي أربع وستون بصرى بسم الله الرحمٰن الرحيم { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء أي الحمد له وإن لم تحمدوه { ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ } جمع السمٰوات لأنها طباق بعضها فوق بعض . والأرض وإن كانت سبعة عند الجمهور فليس بعضها فوق بعض بل بعضها موال لبعض . « جعل » يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } وإلى مفعولين إن كان بمعنى « صير » كقوله { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [ الزخرف : 19 ] وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة ، وأفرد النور لإرادة الجنس ولأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشيء ، نظيره ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منها صاحبها ، والنور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات ، وقدم الظلمات لقوله عليه السلام : " خلق اللّه خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل " { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بعد هذا البيان { بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } يساوون به الاوثان ، تقول عدلت بذا أي ساويته به ، والباء في { بِرَبِّهِمْ } لا للكفر ، أو ثم الذين كفروا بربهم يعدلون عنه أي يعرضرن عنه فتكون الباء صلة للكفر وصلة { يَعْدِلُونَ } أي عنه محذوفة ، وعطف { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } على { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق إلا نعمة ، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته ، أو على خلق السماوات على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه . ومعنى « ثم » استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته . { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } « من » لابتداء الغاية أي ابتداء خلق أصلكم يعنى آدم منه { ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلاً } أي حكم أجل الموت { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ } أجل القيامة ، أو الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ . أو الأول ، والثاني الموت ، أو الثاني هو الأول وتقديره : وهو أجل مسمى أي معلوم ، و { أَجَلٍ مُّسَمًّى } مبتدأ والخبر { عِندَهُ } وقدم المبتدأ وإن كان نكرة والخبر ظرفاً وحقه التأخير لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } تشكون من المرية أو تجادلون من المراء . ومعنى « ثم » استبعاد أن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم { وَهُوَ ٱللَّهُ } مبتدأ وخبر { ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ } متعلق بمعنى اسم الله كأنه قيل : وهو المعبود فيهما كقوله { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّماء إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } [ الزخرف : 84 ] أو المعروف بالإلهية فيهما ، أو هو الذي يقال له الله فيهما ، والأول تفريع على أنه مشتق وغيره على أنه غير مشتق { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } خبر بعد خبر أو كلام مبتدأ أي هو يعلم سركم وجهركم { وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } من الخير والشر ويثيب عليه ويعاقب ، و « من » في { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ } للاستغراق وفي { مِّنْ ءايَـٰتِ رَبِّهِمْ } للتبعيض أي وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاعتبار { إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } تاركين للنظر لا يلتفتون إليه لقلة خوفهم وتدبرهم في العواقب { فَقَدْ كَذَّبُواْ } مردود على كلام محذوف كأنه قيل : إن كانوا معرضين على الآيات فقد كذبوا { بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ } أي بما هو أعظم آية وأكبرها وهو القرآن الذي تُحدوا به فعجزوا عنه { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَـٰؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } إي أنباء الشيء الذي كانوا به يستهزءون وهو القرآن أي أخباره وأحواله يعني سيعلمون بأي شيء استهزؤوا وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا ، أو يوم القيامة ، أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته . { أَلَمْ يَرَوْاْ } يعني المكذبين { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } هو مدة انقضاء أهل كل عصر وهو ثمانون سنة أو سبعون { مَّكَّنَّـٰهُمْ } في موضع جر صفة لـ « قرن » وجمع على المعنى { فِي ٱلأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } التمكين في البلاد إعطاء المكنة والمعنى : لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا { وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاءَ } المطر { عَلَيْهِم مِّدْرَاراً } كثيراً وهو حال من السماء { وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَـٰرَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ } من تحت أشجارهم والمعنى عاشوا في الخصب بين الأنهار والثمار وسقيا الغيث المدرار { فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } ولم يغن ذلك عنهم شيئاً { وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ } بدلاً منهم { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً } مكتوباً { فِي قِرْطَاسٍ } في ورق { فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } هو للتأكيد لئلا يقولوا سكرت أبصارنا ومن المحتج عليهم العمى { لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } تعنتاً وعناداً للحق بعد ظهوره { وَقَالُواْ لَوْلآ } هلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ } على النبي صلى الله عليه وسلم { مَلَكٌ } يكلمنا أنه نبي فقال الله { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } لقضي أمر هلاكهم { ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون . ومعنى « ثم » بعدما بين الأمرين قضاء الأمر وعدم الإنظار ، جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر لأن مفاجأه الشدة أشد من نفس الشدة { وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ مَلَكاً } ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون تارة لولا أنزل على محمد ملك ، وتارة يقولون ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة { لَّجَعَلْنَـٰهُ رَجُلاً } لأرسلناه في صورة رجل كما كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعم الأحوال في صورة دحية ، لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } ولخلطنا وأشكلنا عليهم من أمره إذا كان سبيله كسبيلك يا محمد ، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة الإنسان هذا إنسان وليس بملك . يقال لبست الأمر على القوم وألبسته إذا أشبهته وأشكلته عليهم . ثم سلى نبيه على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو الحق حيث أهلكوا من أجل استهزائهم به و « منهم » متعلق بـ « سخروا » كقوله { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } [ التوبة : 79 ] والضمير للرسل والدال مكسورة عند أبي عمرو وعاصم لا لتقاء الساكنين ، وضمها غيرهما إتباعاً لضم التاء { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } والفرق بين فانظروا وبين { ثُمَّ ٱنْظُرُواْ } إن النظر جعل مسبباً عن السير في « فانظروا » فكأنه قيل : سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين . ومعنى { سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ } إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها وإيجاب النظر في آثار الهالكين على ذلك بـ « ثم » لتباعد ما بين الواجب والمباح { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } « من » استفهام و « ما » معنى الذي في موضع الرفع على الابتداء و « لمن » خبره { قُل لِلَّهِ } تقرير لهم أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم ، ولا تقدرون أن تضيفوا منه شيئاً إلى غيره { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أصل كتب أوجب ولكن لا يجوز الإجراء على ظاهره إذ لا يجب على الله شيء للعبد ، فالمراد به أنه وعد ذلك وعداً مؤكداً وهو منجزه لا محالة . وذكر النفس للاختصاص ورفع الوسائط ، ثم أوعدهم على إغفالهم النظر و إشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } فيجازيكم على إشراككم { لاَ رَيْبَ فِيهِ } في اليوم أو في الجمع { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } نصب على الذم أي أريد الذين خسروا أنفسهم باختيارهم الكفر { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وقال الأخفش : « الذين » بدل من « كم » في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } أي ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم و الوجه هو الأول لأن سيبويه قال : لا يجوز « مررت بي المسكين ولا بك المسكين » فتجعل « المسكين » بدلاً من الياء أو الكاف لأنهما في غاية الوضوح فلا يحتاجان إلى البدل والتفسير .