Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 1-14)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } رُوي أنهم قالوا قبل أن يؤمروا بالجهاد : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه ، فنزلت آية الجهاد فتباطأ بعضهم فنزلت { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } « لم » هي لام الإِضافة داخلة على « ما » الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك : « بم وفيم ومم وعم وإلام وعلام » ، وإنما حذفت الألف لأن « ما » واللام أو غيرها كشيء واحد وهو كثير الاستعمال في كلام المستفهم ، وقد جاء استعمال الأصل قليلاً قال : على ما قام يشتمني جرير والوقف على زيادة هاء السكت أو الإسكان ومن أسكن في الوصل فلإِجرائه مجرى الوقف { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } قصد في كبر التعجب من غير لفظه كقوله غلت ناب كليب بواؤها ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين ، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأسند إلى أن تقولوا ونصب مقتاً على التمييز ، وفيه دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه ، والمعنى : كبر قولكم ما لا تفعلون مقتاً عند الله ، واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض ، وعن بعض السلف أنه قيل له : حدثنا ، فقال : أتأمرونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله . ثم أعلم الله عز وجل ما يحبه فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفّاً } أي : صافين أنفسهم مصدر وقع موقع الحال { كَأَنَّهُم بُنْيَـٰنٌ مَّرْصُوصٌ } لاصق بعضه ببعض . وقيل : أريد به استواء نياتهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان الذي رص بعضه إلى بعض وهو حال أيضاً { وَإِذْ } منصوب بـ « اذكر » { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى } بجحود الآيات والقذف بما ليس فيّ { وَقَد تَّعْلَمُونَ } في موضع الحال أي : لم تؤذونني عالمين علماً يقيناً { أَنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } وقضية علمكم بذلك توقيري وتعظيمي لا أن تؤذوني { فَلَمَّا زَاغُواْ } مالوا عن الحق { أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } من الهداية ، أو لما تركوا أوامره نزع نور الإيمان من قلوبهم ، أو فلما اختاروا الزيع أزاغ الله قلوبهم أي : خذلهم وحرمهم توفيق اتباع الحق { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } أي : لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق . { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِى إِسْرٰءِيلَ } ولم يقل : يا قوم كما قال موسى لأنه لا نسب له فيهم فيكونوا قومه { إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } أي : أرسلت إليكم في حال تصديقي ما تقدمني من التوراة وفي حالٍ تبشيري برسول يأتي من بعدي يعني : أن ديني التصديق : التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعاً ممن تقدم وتأخر ، { بَعْدِى } حجازي وأبو عمرو وأبو بكر وهو اختيار الخليل وسيبويه ، وانتصب { مُصَدّقاً } و { مُبَشّرًا } بما في الرسول من معنى الإِرسال { فَلَمَّا جَآءَهُمُ } عيسى أو محمد عليهما السلام { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } بالمعجزات { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } { سَـٰحِرٌ } حمزة وعلي . { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } وأيّ : الناس أشد ظلماً ممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإِسلام الذي له فيه سعادة الدارين ، فيجعل مكان إجابته إليه افتراء الكذب على الله بقوله لكلامه الذي هو دعاء عباده إلى الحق هذا سحر والسحر كذب وتمويه { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ } هذا تهكم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن : هذا سحر ، مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه والمفعول محذوف واللام للتعليل ، والتقدير : يريدون الكذب ليطفئوا نور الله بأفواههم ، أي : بكلامهم { وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } مكي وحمزة وعلي وحفص { مُتِمٌّ نُورِهِ } غيرهم أي : متم الحق ومبلغه غايته { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } { هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ } أي : الملة الحنيفية { لِيُظْهِرَهُ } ليعليه { عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } على جميع الأديان المخالفة له ، ولعمري لقد فعل فما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام ، وعن مجاهد : إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } { تُنجّيكُم } شامي { تُؤْمِنُونَ } استئناف كأنّهم قالوا كيف نعمل ؟ فقال : { تؤمنون } وهو بمعنى آمنوا عند سيبويه ولهذا أجيب بقوله : { يَغْفِرْ لَكُمْ } ويدل عليه قراءة ابن مسعود { آمنوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجَـٰهِدُواْ } وإنما جيء به على لفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال وكأنه امتثل ، فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين { بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ } أي : ما ذكر من الإيمان والجهاد { خَيْرٌ لَّكُمْ } من أموالكم وأنفسكم { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه خير لكم كان خيراً حينئذ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أموالكم وأنفسكم فتفلحون وتخلصون { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرَ وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي : إقامة وخلود يقال عدن بالمكان إذا أقام به كذا قيل : { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا } ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم ، ثم فسرها بقوله { نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي : عاجل ، وهو فتح مكة والنصر على قريش : أو فتح فارس والروم ، وفي { تُحِبُّونَهَا } شيء من التوبيخ على محبة العاجل ، وقال صاحب الكشف معناه : هل أدلكم على تجارة تنجيكم وعلى تجارة أخرى تحبونها ، ثم قال : { نَصْرُ } أي : نصر هي { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } عطف على { تُؤْمِنُونَ } لأنه في معنى الأمر ، كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا - يثبكم الله وينصركم وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك : وقيل : عطف على « قل » مراداً قبل { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ } . { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } أي : أنصار دينه { أَنصَاراً لِلَّهِ } حجازي وأبو عمرو { كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ للحواريّن من أنصاري إلى الله } ظاهره تشبيه كونهم أنصاراً بقول عيسى { مَنْ أَنصَارِى إِلَى ٱللَّهِ } ولكنه محمول على المعنى ، أي : كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم : { مَنْ أَنصَارِى إِلَى ٱللَّهِ } ومعناه : من جندي متوجهاً إلى نصرة الله ليطابق جواب الحواريين وهو قوله : { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } أي : نحن الذين ينصرون الله ، ومعنى { مَنْ أَنصَارِى } من الأنصار الذين يختصون بي ويكونون معي في نصرة الله والحواريون أصفياؤه ، وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً ، وحواري الرجل صفيه ، وخالصه من الحور وهو البياض الخالص ، وقيل : كانوا قصارين يحورون الثياب ، أي : يبيضونها { فَـئَامَنَت طَّائِفَةٌ مّن بَنِى إِسْرٰءيلَ } بعيسى { وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ } به { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَى عَدُوِهِمْ } فقوينا مؤمنيهم على كفارهم { فَأَصْبَحُواْ ظَـٰهِرِينَ } فغلبوا عليهم والله ولي المؤمنين والله أعلم .