Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 1-9)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة رضي الله عنها وعلمت بذلك حفصة فقال لها : اكتمي عليّ وقد حرمت مارية على نفسي وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي ، فأخبرت به عائشة وكانتا مصادقتين . وقيل خلابها في يوم حفصة فأرضاها بذلك واستكتمها فلم تكتم فطلقها واعتزل نساءه ومكث تسعاً وعشرين ليلة في بيت مارية فنزل جبريل عليه السلام وقال : راجعها فإنها صوّامة قوّامة وإنها لمن نسائك في الجنة . روي أنه شرب عسلاً في بيت زينب بنت جحش فتواطأت عائشة وحفصة وقالتا له : إنا نشم منك ريح المغافير ، وكان يكره رسول الله صلى الله عليه وسلم التفل فحرم العسل ، فمعناه لم تحرم ما أحل الله لك من ملك اليمين أو من العسل { تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوٰجِكَ } تفسير لـ { تُحَرّمُ } أو حال أو استئناف وكان هذا زلة منه لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } قد غفر لك ما زللت فيه { رَّحِيمٌ } قد رحمك فلم يؤاخذك به { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـٰنِكُمْ } قد قدر الله لكم ما تحللون به أيمانكم وهي الكفارة ، أو قد شرع لكم تحليلها بالكفارة ، أو شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم من قولك حلل فلان في يمينه إذا استثنى فيها وذلك أن يقول « إن شاء الله » عقيبها حتى لا يحنث ، وتحريم الحلال يمين عندنا . وعن مقاتل « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية » . وعن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين { وَٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ } سيدكم ومتولي أموركم . وقيل : مولاكم أولى بكم من أنفسكم فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم أنفسكم { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } بما يصلحكم فيشرعه لكم { ٱلْحَكِيمُ } فيما أحل وحرم . { وَإِذَ أَسَرَّ ٱلنَّبِىُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوٰجِهِ } يعني حفصة { حَدِيثاً } حديث مارية وإمامة الشيخين { فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } أفشته إلى عائشة رضي الله عنها { وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } وأطلع النبي صلى الله عليه وسلم على إفشائها الحديث على لسان جبريل عليه السلام { عَرَّفَ بَعْضَهُ } أعلم ببعض الحديث { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } فلم يخبر به تكرماً . قال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام { عَرَّفَ } بالتخفيف : عليّ أي جازى عليه من قولك للمسيء لأعرفن لك ذلك . وقيل : المعروف حديث الإمامة والمعرض عنه حديث مارية . وروي أنه قال لها : ألم أقل لك اكتمي عليّ ؟ قالت : والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحاً بالكرامة التي خص الله بها أباها { فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ } نبأ النبي حفصة بما أفشت من السر إلى عائشة { قَالَتْ } حفصة للنبي صلى الله عليه وسلم { مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ ٱلْعَلِيمُ } بالسرائر { ٱلْخَبِيرُ } بالضمائر . { إِن تَتُوبَا إِلَى ٱللَّهِ } خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما ، وجواب الشرط محذوف والتقدير : إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ودل على المحذوف { فَقَدْ صَغَتْ } مالت { قُلُوبُكُمَا } عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } بالتخفيف : كوفي وإن تعاونا عليه بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـٰهُ } وليه وناصره . وزيادة { هُوَ } إيذان بأنه يتولى ذلك بذاته { وَجِبْرِيلُ } أيضاً وليه { وَصَـٰلِحُ الْمُؤْمِنِينَ } ومن صلح من المؤمنين أي كل من آمن وعمل صالحاً . وقيل : من بريء من النفاق . وقيل : الصحابة . وقيل : واحد أريد به الجمع كقولك لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد الجنس . وقيل : أصله صالحو المؤمنين فحذفت الواو من الخط موافقة للفظ { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } على تكاثر عددهم { بَعْدَ ذَلِكَ } بعد نصرة الله وجبريل وصالحي المؤمنين { ظَهِيرٍ } فوج مظاهر له فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه ، ولما كانت مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله قال بعد ذلك تعظيماً لنصرتهم ومظاهرتهم . { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ } { يُبْدِلَهُ } مدني وأبو عمرو فالتشديد للكثرة { أَزْوٰجاً خَيْراً مّنكُنَّ } فإن قلت : كيف تكون المبدلات خيراً منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين ؟ قلت : إذا طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة ، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف خيراً منهن { مُسْلِمَـٰتٍ مُّؤْمِنَـٰتٍ } مقرات مخلصات { قَـٰنِتَـٰتٍ } مطيعات ، فالقنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله { تَـٰئِبَـٰتٍ } من الذنوب أو راجعات إلى الله وإلى أمر رسوله { عَـٰبِدٰتٍ } لله { سَـٰئِحَـٰتٍ } مهاجرات أو صائمات . وقيل : للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكاً إلى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره { ثَيّبَـٰتٍ وَأَبْكَاراً } إنما وسط العاطف بين الثيبات والأبكار دون سائر الصفات لأنهما صفتان متنافيتان بخلاف سائر الصفات . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ } بترك المعاصي وفعل الطاعات { وَأَهْلِيكُمْ } بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم { نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } نوعاً من النار لا تتقد إلا بالناس والحجارة كما يتقد غيرها من النيران بالحطب { عَلَيْهَا } يلي أمرها وتعذيب أهلها { مَلَـئِكَةٌ } يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم { غِلاَظٌ شِدَادٌ } في أجرامهم غلظة وشدة أو غلاظ الأقوال شداد الأفعال { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ } في موضع الرفع على النعت { مَا أَمَرَهُمْ } في محل النصب على البدل أي لا يعصون ما أمر الله أي أمره كقوله { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى } [ طه : 93 ] أو لا يعصونه فيما أمرهم { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وليست الجملتان في معنى واحد ، إذ معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ، ومعنى الثانية أنهم يؤدون ما يؤمرون به ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار لا تعتذروا لأنه لا عذر لكم ، أو لأنه لا ينفعكم الاعتذار . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } صادقة عن الأخفش رحمه الله . وقيل : خالصة . يقال : عسل ناصح إذا خلص من الشمع . وقيل : نصوحاً من نصاحة الثوب أي توبة ترفو خروقك في دينك وترم خللك ، ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها ، واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضياتها ، وبضم النون : حماد ويحيـى وهو مصدر أي ذات نصوح أو تنصح نصوحاً وجاء مرفوعاً « إن التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب إلى أن يعود اللبن في الضرع » وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب عن الذنب ثم يعود فيه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي الاستغفار باللسان والندم بالجنان والإقلاع بالإركان . { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ } هذا على ما جرت به عادة الملوك من الإجابة بـ « عسى » و « لعل » ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } ونصب { يَوْمَ } بـ { يدخلكم } { لاَ يُخْزِى ٱللهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } فيه تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر { نُورُهُم } مبتدأ { يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ } في موضع الخبر { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } يقولون ذلك إذا انطفأ نور المنافقين { وَٱغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ } بالسيف { وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } بالقول الغليظ والوعد البليغ . وقيل : بإقامة الحدود عليهم { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة باللسان { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } .