Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 1-23)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْحَاقَّةُ } الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها ، من حق يحق بالكسر أي وجب { مَا ٱلْحَاقَّةُ } مبتدأ وخبر وهما خبر { ٱلْحَاقَّةُ } والأصل الحاقة ما هي أي أيّ شيء هي تفخيماً لشأنها وتعظيماً لهولها أي حقها أن يستفهم عنها لعظمها ، فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التهويل { وَمَا أَدْرَاكَ } وأي شيء أعلمك { مَا ٱلْحَاقَّةُ } يعني أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها ، لأنه من العظم والشدة بحيث لا تبلغه دراية المخلوقين . و « ما » رفع بالابتداء و { أَدْرَاكَ } الخبر ، والجملة بعده في موضع نصب لأنها مفعول ثانٍ لـ « أدرى » { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } أي بالحاقة فوضعت القارعة موضعها لأنها من أسماء القيامة ، وسميت بها لأنها تقرع الناس بالأفزاع والأهوال . ولما ذكرها وفخمها أتبع ذكر ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب تذكيراً لأهل مكة وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم . { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة . واختلف فيها فقيل الرجفة ، وقيل الصيحة ، وقيل الطاغية مصدر كالعافية أي بطغيانهم ، ولكن هذا لا يطابق قوله { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ } أي بالدبور لقوله صلى الله عليه وسلم : " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور " { صَرْصَرٍ } شديدة الصوت من الصرة الصيحة ، أو باردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها { عَاتِيَةٍ } شديد العصف أو عتت على خزانها فلم يضبطوها بإذن الله غضباً على أعداء الله { سَخَّرَهَا } سلطها { عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ } وكان ابتداء العذاب يوم الأربعاء آخر الشهر إلى الأربعاء الأخرى { حُسُوماً } أي متتابعة لا تنقطع جمع حاسم كشهود تمثيلاً لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء بعد أخرى حتى ينحسم ، وجاز أن يكون مصدراً أي تحسم حسوماً بمعنى تستأصل استئصالاً { فَتَرَى } أيها المخاطب { ٱلْقَوْمَ فِيهَا } في مهابها أو في الليالي والأيام { صَرْعَىٰ } حال جمع صريع { كَأَنَّهُمْ } حال أخرى { أَعْجَازُ } أصول { نَخْلٍ } جمع نخلة { خَاوِيَةٍ } ساقطة أو بالية { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مّن بَاقِيَةٍ } من نفس باقية أو من بقاء كالطاغية بمعنى الطغيان . { وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ } ومن تقدمه من الأمم { وَمِن قَبْلِهِ } بصري وعلي أي ومن عنده من أتباعه { وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ } قرى قوم لوط فهي ائتفكت أي انقلبت بهم { بِالْخَاطِئَةِ } بالخطأ أو بالفعلة أو بالأفعال ذات الخطأ العظيم { فَعَصَوْاْ } أي قوم لوط { رَسُولَ رَبّهِمْ } لوطاً { فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } شديدة زائدة في الشدة كما زادت قبائحهم في القبح { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَاء } ارتفع وقت الطوفان على أعلى جبل في الدنيا خمسة عشر ذراعاً { حَمَلْنَـٰكُمْ } أي آباءكم { فِى ٱلْجَارِيَةِ } في سفينة نوح عليه السلام { لِنَجْعَلَهَا } أي الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين { لَكُمْ تَذْكِرَةً } عبرة وعظة { وَتَعِيَهَا } وتحفظها { أُذُنٌ } بضم الذال : غير نافع { وٰعِيَةٌ } حافظة لما تسمع . قال قتادة : وهي أذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت . { فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وٰحِدَةٌ } هي النفخة الأولى ويموت عندها الناس ، والثانية يبعثون عندها { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } رفعتا عن موضعهما { فَدُكَّتَا دَكَّةً وٰحِدَةً } دقتا وكسرتا أي ضرب بعضها ببعض حتى تندق وترجع كثيباً مهيلاً وهباء منبثاً { فَيَوْمَئِذٍ } فحينئذ { وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } نزلت النازلة وهي القيامة ، وجواب « إذا » { وَقَعَتِ } و { يَوْمَئِذٍ } بدل من « إذا » { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاءُ } فتّحت أبواباً { فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } مسترخية ساقطة القوة بعد ما كانت محكمة { وَٱلْمَلَكُ } للجنس بمعنى الجمع وهو أعم من الملائكة { عَلَىٰ أَرْجَائِهَا } جوانبها واحدها رجا مقصور لأنها إذا انشقت وهي مسكن الملائكة فيلجؤن إلى أطرافها { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ } فوق الملك الذين على أرجائها { يَوْمَئِذٍ ثَمَـٰنِيَةٌ } منهم ، واليوم تحمله أربعة وزيدت أربعة أخرى يوم القيامة . وعن الضحاك : ثمانية صفوف . وقيل : ثمانية أصناف . { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } للحساب ، والسؤال شبه ذلك بعرض السلطان العسكر لتعرّف أحواله { لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا . وبالياء : كوفي غير عاصم . وفي الحديث : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات : فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعندها تطير الصحف فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك كتابه بشماله " { فَأَمَّا } تفصيل للعرض { مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ } سروراً به لما يرى فيه من الخيرات خطاباً لجماعته { هَاؤُمُ } اسم للفعل أي خذوا { ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } تقديره هاؤم كتابي اقرؤا كتابيه فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، والعامل في { كِتَـٰبيَهْ } { اقرءوا } عند البصريين لأنهم يعملون الأقرب . والهاء في { كِتَـٰبيَهْ } و { حِسَابِيَهْ } و { مَالِيَهْ } و { سُلْطَـٰنِيَهْ } للسكت ، وحقها أن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل ، وقد استحب إيثار الوقف إيثاراً لثباتها لثبوتها في المصحف { إِنّى ظَنَنتُ } علمت . وإنما أجرى الظن مجرى العلم ، لأن الظن الغالب يقوم مقام العلم في العادات والأحكام ، ولأن ما يدرك بالاجتهاد فلما يخلو عن الوسواس والخواطر وهي تفضي إلى الظنون ، فجاز إطلاق لفظ الظن عليها لما لا يخلو عنه { أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ } معاين حسابي { فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } ذات رضا يرضى بها صاحبها كلابن { فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } رفيعة المكان أو رفيعة الدرجات أو رفيعة المباني والقصور وهو خبر بعد خبر { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } ثمارها قريبة من مريدها ينالها القائم والقاعد والمتكىء يقال لهم :