Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 44-58)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ونادٰى أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا } « أن » مخففة من الثقيلة أو مفسرة وكذلك { أن لعنة اللّه على الظالمين } { ما وعدنا ربّنا } من الثواب { حقًّا } حال { فهل وجدّتم مّا وعد ربّكم } من العذاب { حقًّا } وتقديره وعدكم ربكم فحذف « كم » لدلالة { وعدنا ربنا } عليه . وإنما قالوا لهم ذلك شماتة بأصحاب النار واعترافاً بنعم الله تعالى { قالوا نعم } وبكسر العين حيث كان : عليٌّ { فأذّن مؤذّنٌ بينهم } نادى مناد وهو ملك يسمع أهل الجنة والنار { أن لّعنة اللّه علىٰ الظّالمين } { أن لعنة } مكي وشامي وحمزة وعلي { الّذين يصدّون } يمنعون { عن سبيل اللّه } دينه { ويبغونها عوجاً } مفعول ثان لـ « يبغون » أي ويطلبون لها الاعوجاج والتناقض { وهم بالآخرة } بالدار الآخرة { كافرون وبينهما } وبين الجنة والنار أو بين الفريقين { حجابٌ } وهو السور المذكور في قوله : { فضرب بينهم بسور } [ الحديد : 13 ] { وعلى الأعراف } على أعراف الحجاب وهو السور المضروب بين الجنة والنار وهي أعاليه جمع عرف ، استعير من عرف الفرس وعرف الديك { رجالٌ } من أفاضل المسلمين أو من آخرهم دخولاً في الجنة لاستواء حسناتهم وسيآتهم ، أو من لم يرض عنه أحد أبويه أو أطفال المشركين { يعرفون كلاًّ } من زمرة السعداء والأشقياء { بسيماهم } بعلامتهم . قيل : سيما المؤمنين بياض الوجوه ونضارتها ، وسيما الكافرين سواد الوجوه وزرقة العيون { ونادوا } أي أصحاب الأعراف { أصحاب الجنّة أن سلامٌ عليكم } أنه سلام أو أي سلام وهو تهنئة منهم لأهل الجنة { لم يدخلوها } أي أصحاب الأعراف ولا محل له لأنه استئناف كأن سائلاً سأل أصحاب الأعراف فقيل { لم يدخلوها } { وهم يطمعون } في دخولها أوله محل وهو صفة لـ { رجال } . { وإذا صرفت أبصارهم } أبصار أصحاب الأعراف ، وفيه أن صارفاً يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا { تلقآء } ظرف أي ناحية { أصحاب النّار } ورأوا ما هم فيه من العذاب { قالوا ربّنا لا تجعلنا مع القوم الظّالمين } فاستعاذوا بالله وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم { ونادى أصحاب الأعراف رجالاً } من رءوس الكفرة { يعرفونهم بسيماهم قالوا مآ أغنىٰ عنكم جمعكم } المال أو كثرتكم واجتماعكم و « ما » نافية { وما كنتم تستكبرون } واستكباركم على الحق وعلى الناس ثم يقولون لهم : { أهؤلاء } مبتدأ { الّذين } خبر مبتدأ مضمر تقديره أهؤلاء هم الذين { أقسمتم } حلفتم في الدنيا ، والمشار إليهم فقراء المؤمنين كصهيب وسليمان ونحوهما { لا ينالهم اللّه برحمةٍ } جواب { أقسمتم } وهو داخل في صلة { الذين } تقديره أقسمتم عليهم بأن لا ينالهم الله برحمة أي لا يدخلهم الجنة يحتقرونهم لفقرهم . فيقال لأصحاب الأعراف : { ادخلوا الجنّة } وذلك بعد أن نظروا إلى الفريقين وعرفوهم بسيماهم وقالوا ما قالوا { لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون ونادٰى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من المآء } أن مفسرة . وفيه دليل على أن الجنة فوق النار { أو ممّا رزقكم اللّه } من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة ، أو أريد أو ألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة كقوله : علفتها تبناً وماءاً بارداً أي وسقيتها وإنما سألوا ذلك مع يأسهم عن الإجابة لأن المتحير ينطق بما يفيد وما لا يفيد { قالوآ إنّ اللّه حرّمهما على الكافرين } هو تحريم منع كما في { وحرمنا عليه المراضع } [ القصص : 12 ] وتقف هنا إن رفعت أو نصبت ما بعده ذماً ، وإن جررته وصفاً للكافرين فلا . { الّذين اتّخذوا دينهم لهواً ولعباً } فحرموا وأحلوا ما شاءوا أو دينهم عيدهم { وغرّتهم الحيوٰة الدّنيا } اغتروا بطول البقاء { فاليوم ننساهم } نتركهم في العذاب { كما نسوا لقآء يومهم هذا وما كانوا بئاياتنا يجحدون } أي كنسيانهم وجحودهم . { ولقد جئناهم بكتابٍ فصّلناه } ميزنا حلاله وحرامه ومواعظه وقصصه { علىٰ علمٍ } عالمين بكيفية تفصيل أحكامه { هدًى ورحمةً } حال من منصوب { فصلناه } كما أن { على علم } حال من مرفوعة { لّقومٍ يؤمنون هل ينظرون } ينتظرون { إلاّ تأويله } إلا عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد { يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل } تركوه وأعرضوا عنه { قد جآءت رسل ربّنا بالحقّ } أي تبين وصح أنهم جاءوا بالحق فأقروا حين لا ينفعهم { فهل لّنا من شفعآء فيشفعوا لنآ } جواب الاستفهام { أو نردّ } جملة معطوفة على الجملة قبلها داخلة معها في حكم الاستفهام كأنه قيل : فهل لنا من شفعاء ، أو هل نرد ؟ ورافعه وقوعه موقعاً يصلح للاسم كقولك ابتداء « هل يضرب زيد » ، أو عطف على تقدير : هل يشفع لنا شافع أو هل نرد { فنعمل } جواب الاستفهام أيضاً { غير الّذي كنّا نعمل قد خسروآ أنفسهم وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون } ما كانوا يعبدونه من الأصنام . { إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوت والأرض في ستّة أيّامٍ } أراد السموات والأرض وما بينهما وقد فصلها في « حم السجدة » أي من الأحد إلى الجمعة لاعتبار الملائكة شيئاً فشيئاً ، وللإعلام بالتأني في الأمور ، ولأن لكل عمل يوماً ، ولأن إنشاء شيء بعد شيء أدل على عالم مدبر مريد يصرّفه على اختياره ويجريه على مشيئته { ثمّ استوىٰ } استولى { على العرش } أضاف الاستيلاء إلى العرش وإن كان سبحانه وتعالى مستولياً على جميع المخلوقات ، لأن العرش أعظمها وأعلاها . وتفسير العرش بالسرير والاستواء بالاستقرار كما تقوله المشبهة باطل ، لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان وهو الآن كما كان ، لأن التغير من صفات الأكوان . والمنقول عن الصادق والحسن وأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهم ، أن الاستواء معلوم ، والتكييف فيه مجهول ، والإيمان به واجب ، والجحود له كفر ، والسؤال عنه بدعة . { يغشى الّيل النّهار } { يغشى } حمزة وعلي وأبو بكر . أي يلحق الليل بالنهار والنهار بالليل { يطلبه حثيثاً } حال من الليل أي سريعاً . والطالب هو الليل كأنه لسرعة مضيه يطلب النهار { والشّمس والقمر والنّجوم } أي وخلق الشمس والقمر والنجوم { مسخّراتٍ } حال أي مذللات { والشمس والقمر والنجوم مسخراتٌ } شامي { والشمس } مبتدأ والبقية معطوفة عليها والخبر { مسخرات } { بأمره } هو أمر تكوين . ولما ذكر أنه خلقهن مسخرات بأمره قال { ألا له الخلق والأمر } أي هو الذي خلق الأشياء وله الأمر { تبارك اللّه } كثر خيره أو دام بره من البركة النماء أو من البروك الثبات ومنه البركة { ربّ العالمين } . { ادعوا ربّكم تضرّعاً وخفيةً } نصب على الحال أي ذوي تضرع وخفية ، والتضرع تفعل من الضراعة وهي الذل أي تذللاً وتملقاً . قال عليه السلام " إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً قريباً إنه معكم أينما كنتم " عن الحسن : بين دعوة السر والعلانية سبعون ضعفاً . { إنّه لا يحبّ المعتدين } المجاوزين ما أمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره . وعن ابن جريج : الرافعين أصواتهم بالدعاء . وعنه : الصياح في الدعاء مكروه وبدعة . وقيل : هو الإسهاب في الدعاء . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، وحسب المرء أن يقول : اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل " ثم قرأ { إنه لا يحب المعتدين } { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } أي بالمعصية بعد الطاعة ، أو بالشرك بعد التوحيد ، أو بالظلم بعد العدل { وادعوه خوفاً وطمعاً } حالان أي خائفين من الرد طامعين في الإجابة ، أو من النيران وفي الجنان ، أو من الفراق وفي التلاق ، أو من غيب العاقبة وفي ظاهر الهداية ، أو من العدل وفي الفضل { إنّ رحمت اللّه قريبٌ مّن المحسنين } ذكر قريب على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم ، أو لأنه صفة موصوف محذوف أي شيء قريب ، أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول ، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي ، أو للإضافة إلى المذكر . { وهو الّذي يرسل الرّياح } { الريح } مكي وحمزة وعلي { بُشرا } { نشرا } حمزة وعلي . مصدر نشر ، وانتصابه إما لأن أرسل ونشر متقاربان فكأنه قيل نشرها نشراً ، وإما على الحال أي منشورات { بشرا } عاصم تخفيف « بشرا » جمع « بشير » ، لأن الرياح تبشر بالمطر { نشراً } شامي تخفيف « نشر » كرسل ورسل وهو قراءة الباقين جمع « نشور » أي ناشرة للمطر { بين يدي رحمته } أمام نعمته وهو الغيث الذي هو من أجلّ النعم { حتّىٰ إذآ أقلّت } حملت ورفعت ، واشتقاق الإقلال من القلة لأن الرافع المطيق يرى ما يرفعه قليلاً { سحاباً ثقالاً } بالماء جمع سحابة { سقناه } الضمير للسحاب على اللفظ ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلاً { لبلدٍ مّيّتٍ } - ميت - لأجل بلد ليس فيه مطر ولسقيه { ميّت } مدني وحمزة وعلي وحفص { فأنزلنا به المآء } بالسحاب أو بالسوق وكذلك { فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك } مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات { نخرج الموتىٰ لعلّكم تذكّرون } فيؤديكم التذكر إلى الإيمان بالبعث إذ لا فرق بين الإخراجين ، لأن كل واحد منهما إعادة الشيء بعد إنشائه { والبلد الطّيّب } الأرض الطيبة الترب { يخرج نباته بإذن ربّه } بتيسيره وهو موضع الحال كأنه قيل : يخرج نباتة حسناً وافياً لأنه واقع في مقابلة { نكدا } { والّذي خبث } صفة للبلد أي والبلد الخبيث { لا يخرجُ } أي نباته فحذف للاكتفاء { إلاّ نكداً } هو الذي لا خير فيه وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ وهو المؤمن ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك وهو الكافر ، وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر مثل المطر وإنزاله بالبلد الميت وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد { كذلك } مثل ذلك التصريف { نُصرّف الآيات } نرددها ونكررها { لقومٍ يشكرون } نعمة الله وهم المؤمنون ليتفكروا فيها ويعتبروا بها .