Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 10-28)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ } عذاب { أُرِيدَ بِمَن فِى ٱلأَرْضِ } بعدم استراق السمع { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } خيراً ورحمة { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ } الأبرار المتقون { وَمِنَّا } قوم { دُونِ ذَلِكَ } فحذف الموصوف وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه أو أرادوا غير الصالحين { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } بيان للقسمة المذكورة أي كنا ذوي مذاهب متفرقة أو أديان مختلفة . والقدد جمع قدة وهي القطعة من قددت السير أي قطعته { وَأَنَّا ظَنَنَّا } أيقنا { أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ } لن نفوته { فِى ٱلأَرْضِ } حال أي لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } مصدر في موضع الحال أي ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء ، وهذه صفة الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } القرآن { ءَامَنَّا بِهِ } بالقرآن أو بالله { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ } فهو لا يخاف مبتدأ وخبر { بَخْساً } نقصاً من ثوابه { وَلاَ رَهَقاً } أي ولا ترهقه ذلة من قوله : { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [ يونس : 27 ] وقوله : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } [ يونس : 26 ] . وفيه دليل على أن العمل ليس من الإيمان { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } المؤمنون { وَمِنَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } الكافرون الجائرون عن طريق الحق ، قسط : جار وأقسط عدل { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } طلبوا هدى والتحري طلب الأحرى أي الأولى { وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ فَكَانُواْ } في علم الله { لِجَهَنَّمَ حَطَباً } وقوداً ، وفيه دليل على أن الجني الكافر يعذب في النار ويتوقف في كيفية ثوابهم { وَأَنْ } مخففة من الثقيلة يعني وأنه وهي من جملة الموحى أي أوحى إلى أن الشأن { لَوْ ٱسْتَقَـٰمُواْ } أي القاسطون { عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } طريقة الإسلام { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاءً غَدَقاً } كثيراً ، والمعنى لوسعنا عليهم الرزق ، وذكر الماء الغدق لأنه سبب سعة الرزق . { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ } القرآن أو التوحيد أو العبادة { يَسْلُكْهُ } بالياء : عراقي غير أبي بكر يدخله { عَذَاباً صَعَداً } شاقاً مصدر صعد يقال : صعد صعداً وصعوداً ، فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ، ومنه قول عمر رضي الله عنه : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح . أي ما شق عليّ . { وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ } من جملة الموحى أي أوحي إلى أن المساجد أي البيوت المبنية للصلاة فيها لله . وقيل : معناه ولأن المساجد لله فلا تدعوا على أن اللام متعلقة بـ { لاَّ تَدْعُواْ } أي { فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } في المساجد لأنها خالصة لله ولعبادته . وقيل : المساجد أعضاء السجود وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان { وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ } محمد عليه السلام إلى الصلاة وتقديره وأوحي إلى أنه لما قام عبد الله { يَدْعُوهُ } يعبده ويقرأ القرآن ولم يقل نبي الله أو رسول الله لأنه من أحب الأسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأنه لما كان واقعاً في كلامه صلى الله عليه وسلم عن نفسه جيء به على ما يقتضيه التواضع ، أو لأن عبادة عبد الله لله ليست بمستبعد حتى يكونوا عليه لبداً { كَادُواْ } كاد الجن { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } جماعات جمع لبدة تعجباً مما رأوا من عبادته واقتداء أصحابه به وإعجاباً بما تلاه من القرآن لأنهم رأوا ما لم يروا مثله { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُواْ رَبّى } وحده { قَالَ } غير عاصم وحمزة { وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } في العبادة فلم تتعجبون وتزدحمون علي ؟ { قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً } مضرة { وَلاَ رَشَداً } نفعاً ، أو أراد بالضر الغي بدليل قراءة أبي { غَيّاً وَلاَ رَشَداً } يعني لا أستطيع أن أضركم وأن أنفعكم لأن الضار والنافع هو الله . { قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ } لن يدفع عني عذابه أحد إن عصيته كقول صالح عليه السلام : { فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ } [ هود : 63 ] { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } ملتجأ . { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ } استثناء من { لا أَمْلِكُ } أي لا أملك لكم ضراً ولا رشداً إلا بلاغاً من الله و { قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى } اعتراض لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه . وقيل : { بَلاَغاً } بدل من { مُلْتَحَدًا } أي لن أجد من دونه منجى إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به يعني لا ينجيني إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به فإن ذلك ينجيني . وقال الفراء : هذا شرط وجزاء وليس باستثناء و « إن » منفصلة من « لا » وتقديره : أن لا أبلغ بلاغاً أي إن لم أبلغ لم أجد من دونه ملتجأ ولا مجيراً لي كقولك إن لا قياماً فقعوداً ، والبلاغ في هذه الوجوه بمعنى التبليغ { وَرِسَـٰلَـٰتِهِ } عطف على { بَلاَغاً } كأنه قيل : لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات أي إلا أن أبلغ عن الله فأقول قال الله كذا ناسباً لقوله إليه ، وأن أبلغ رسالته التي أرسلني بها بلا زيادة ونقصان . و « من » ليست بصلة للتبليغ لأنه يقال : بلّغ عنه ، إنما هي بمنزلة « من » في { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 1 ] أي بلاغاً كائناً من الله . { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في ترك القبول ، لما أنزل على الرسول لأنه ذكر على أثر تبليغ الرسالة { فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } وحد في قوله { لَهُ } وجمع في { خَـٰلِدِينَ } للفظ من ومعناه { حَتَّىٰ } يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال كأنه قيل : لا يزالون على ما هم عليه حتى { إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } من العذاب { فَسَيَعْلَمُونَ } عند حلول العذاب بهم { مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } أهم أم المؤمنون ؟ أي الكافر لا ناصر له يومئذ والمؤمن ينصره الله وملائكته وأنبياؤه { قُلْ إِنْ أَدْرِى } ما أدري { أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } من العذاب { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّى } وبفتح الياء : حجازي وأبو عمرو { أَمَدًا } غاية بعيدة يعني أنكم تعذبون قطعاً ولكن لا أدري أهو حالّ أم مؤجل { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } هو خبر مبتدأ أي هو عالم الغيب { فَلاَ يُظْهِرُ } فلا يطلع { عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } من خلقه { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } إلا رسولاً قد ارتضاه لعلم بعض الغيب ليكون إخباره عن الغيب معجزة له فإن يطلعه على غيبة ما شاء . و { مِن رَّسُولٍ } بيان لـ { مَنِ ٱرْتَضَىٰ } والولي إذا أخبر بشيء فظهر فهو غير جازم عليه ، ولكنه أخبر بناء على رؤياه أو بالفراسة على أن كل كرامة للولي فهي معجزة للرسول . وذكر في التأويلات قال بعضهم في هذه الآية بدلالة تكذيب المنجمة وليس كذلك فإن فيهم من يصدق خبره ، وكذلك المتطببة يعرفون طبائع النبات وذا لا يعرف بالتأمل فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره وبقي علمه في الخلق . { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ } يدخل { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } يدي رسول { وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم حتى يبلغ الوحي { لِيَعْلَمَ } الله { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ } أي الرسل { رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ } كاملة بلا زيادة ولا نقصان إلى المرسل إليهم أي ليعلم الله ذلك موجوداً حال وجوده كما كان يعلم ذلك قبل وجوده أنه يوجد ، وحد الضمير في { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } للفظ « من » ، وجمع في { أَبْلَغُواْ } لمعناه { وَأَحَاطَ } الله { بِمَا لَدَيْهِمْ } بما عند الرسل من العلم { وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً } من القطر والرمل وورق الأشجار وزبد البحار ، فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه ؟ و { عَدَدًا } حال أي وعلم كل شيء معدوداً محصوراً أو مصدر في معنى إحصاء ، والله أعلم .