Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 1-18)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية وهي إحدى وثلاثون آية { هَلْ أَتَىٰ } قد مضى { عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ } آدم عليه السلام { حِينٌ مّنَ ٱلدَّهْرِ } أربعون سنة مصوراً قبل نفخ الروح فيه { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } لم يذكر اسمه ولم يدر ما يراد به لأنه كان طيناً يمر به الزمان ولو غير موجود لم يوصف بأنه قد أتى عليه حين من الدهر . ومحل { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } النصب على الحال من الإنسان أي أتى عليه حين من الدهر غير مذكور { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ } أي ولد آدم ، وقيل الأول ولد آدم أيضاً و { حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } على هذا مدة لبثه في بطن أمه إلى أن صار شيئاً مذكوراً بين الناس { مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } نعت أو بدل منها أي من نطفة قد امتزج فيها الماآن . ومشجه ومزجه بمعنى و { نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } كبرمة أعشار فهو لفظ مفرد غير جمع ولذا وقع صفة للمفرد { نَّبْتَلِيهِ } حال أي خلقناه مبتلين أي مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له { فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً } ذا سمع وبصر . { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ } بيّنا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع { إِمَّا شَاكِراً } مؤمناً { وَإِمَّا كَفُوراً } كافراً حالان من الهاء في { هَدَيْنَـٰهُ } أي إن شكر وكفر فقد هديناه السبيل في الحالين أو من السبيل أي عرّفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وأما سبيلاً كفوراً . ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز . ولما ذكر الفريقين أتبعهما ما أعد لهما فقال { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَلَٰسِلاَ } جمع سلسلة بغير تنوين : حفص ومكي وأبو عمرو وحمزة ، وبه ليناسب { أَغْلَـٰلاً وَسَعِيراً } إذ يجوز صرف غير المنصرف للتناسب : غيرهم { وَأَغْلَـٰلاً } جمع غُلٍّ { وَسَعِيراً } ناراً موقدة . وقال { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ } جمع بر أو بار كرب وأرباب وشاهد وأشهاد وهم الصادقون في الإيمان أو الذين لا يؤذون الذرّ ولا يضمرون الشر { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } خمر فنفس الخمر تسمى كأساً . وقيل : الكأس الزجاجة إذا كان فيها خمر { كَانَ مِزَاجُهَا } ما تمزج به { كَـٰفُوراً } ماء كافور وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده { عَيْناً } بدل منه { يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } أي منها أو الباء زائدة أو هو محمول على المعنى أي يلتذ بها أو يروي بها . وإنما قال أولاً بحرف « من » وثانياً بحرف الباء لأن الكأس مبتدأ شربهم وأول غايته ، وأما العين فيها يمزجون شرابهم فكأنه قيل : يشرب عباد الله بها الخمر { يُفَجّرُونَهَا } يجرونها حيث شاءوا من منازلهم { تَفْجِيرًا } سهلاً لا يمتنع عليهم . { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } بما أوجبوا على أنفسهم ، وهو جواب « من » عسى أن يقول : ما لهم يرزقون ذلك ؟ والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفّى بما أوجبه على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى { وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ } شدائده { مُسْتَطِيراً } منتشراً من استطار الفجر { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } أي حب الطعام من الاشتهاء والحاجة إليه أو على حب الله { مِسْكِيناً } فقيراً عاجزاً عن الاكتساب { وَيَتِيماً } صغيراً لا أب له { وَأَسِيراً } مأسوراً مملوكاً أو غيره . ثم عللوا إطعامهم فقالوا : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ } أي لطلب ثوابه أو هو بيان من الله عز وجل عما في ضمائرهم ، لأن الله تعالى علمه منهم فأثنى عليهم وإن لم يقولوا شيئاً { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً } هدية على ذلك { وَلاَ شُكُوراً } ثناء وهو مصدر كالشكر { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا } أي إنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة ، أو إنا نخاف من ربنا فنتصدق لوجهه حتى نأمن من ذلك الخوف { يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } وصف اليوم بصفة أهله من الأشقياء نحو : نهارك صائم . والقمطرير الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه . { فَوَقَـٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } صانهم من شدائده { وَلَقَّـٰهُمْ } أعطاهم بدل عبوس الفجار { نَضْرَةً } حسناً في الوجوه { وَسُرُوراً } فرحاً في القلوب { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } بصبرهم على الإيثار . نزلت في علي وفاطمة وفضة جارية لهما ، لما مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما نذروا صوم ثلاثة أيام فاستقرض علي رضي الله عنه من يهودي ثلاثة أصوع من الشعير ، فطحنت فاطمة رضي الله عنها كل يوم صاعاً وخبزت فآثروا بذلك ثلاثة عشايا على أنفسهم مسكيناً ويتيماً وأسيراً ولم يذوقوا إلا الماء في وقت الإفطار . { جَنَّةً } بستاناً فيه مأكل هنيء { وَحَرِيراً } ملبساً بهياً { مُتَّكِئِينَ } حال من « هم » في { جزاهم } { فِيهَا } في الجنة { عَلَىٰ ٱلأَرَآئِكِ } الأسرة جمع الأريكة { لاَ يَرَوْنَ } حال من الضمير المرفوع في { مُتَّكِئِينَ } غير رائين { فِيهَا } في الجنة { شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } لأنه لا شمس فيها ولا زمهرير فظلها دائم وهواؤها معتدل ، لا حر شمس يحمي ولا شدة برد تؤذي . وفي الحديث : " هواء الجنة سجسج لا حر ولا قرّ " فالزمهرير البرد الشديد . وقيل : القمر أي الجنة مضيئة لا يحتاج فيها إلى شمس وقمر { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـٰلُهَا } قريبة منهم ظلال أشجارها عطفت على جنة أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها كأنهم وعدوا بجنتين لأنهم وصفوا بالخوف بقوله : { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا } { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] { وَذُلِّلَتْ } سخرت للقائم والقاعد والمتكىء وهو حال من { دَانِيَةٌ } أي تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها عليهم ، أو معطوفة عليها أي ودانية عليهم ظلالها ومذللة { قُطُوفُهَا } ثمارها جمع قطف . { تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِـئَانِيَةٍ مّن فِضَّةٍ } أي يدير عليهم خدمهم كئوس الشراب . والآنية جمع إناء وهو وعاء الماء { وَأَكْوابٍ } أي من فضة جمع كوب وهو إبريق لا عروة له { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } « كان » تامة أي كونت فكانت قوارير بتكوين الله نصب على الحال { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } أي مخلوقة من فضة فهي جامعة لبياض الفضة وحسنها وصفاء القوارير وشفيفها حيث يرى ما فيها من الشراب من خارجها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنة فضة . قرأ نافع والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر بالتنوين فيهما . وحمزة وابن عامر وأبو عمرو وحفص بغير تنوين فيهما . وابن كثير بتنوين الأول والتنوين في الأول لتناسب الآي المتقدمة والمتأخرة ، وفي الثاني لإتباعه الأول . والوقف على الأول قد قيل ولا يوثق به لأن الثاني بدل من الأول { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } صفة لـ { قَوارِيرَ مِن فِضَّةٍ } أي أهل الجنة قدروها على أشكال مخصوصة فجاءت كما قدروها تكرمة لهم ، أو السقاة جعلوها على قدر ريّ شاربها فهي ألذ لهم وأخف عليهم . وعن مجاهد : لا تفيض ولا تغيض . { وَيُسْقَوْنَ } أي الأبرار { فِيهَا } في الجنة { كَأْساً } خمراً { كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً } بدل من { زَنجَبِيلاً } { فِيهَا } في الجنة { تُسَمَّىٰ } تلك العين { سَلْسَبِيلاً } سميت العين زنجبيلاً لطعم الزنجبيل فيها ، والعرب تستلذه وتستطيبه . وسلسبيلاً لسلاسة انحدارها وسهولة مساغها . قال أبو عبيدة : ماء سلسبيل أي عذب طيب .