Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 1-30)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مكية وهي أربعون آية بسم الله الرحمٰن الرحيم { عَمَّ } أصله « عن ما » وقرىء بها ، ثم أدغمت النون في الميم فصار « عما » وقرىء بها ، ثم حذفت الألف تخفيفاً لكثرة الاستعمال في الاستفهام وعليه الاستعمال الكثير ، وهذا استفهام تفخيم للمستفهم عنه لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية { يَتَسَاءلُونَ } يسأل بعضهم بعضاً أو يسألون غيرهم من المؤمنين ، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ويسألون المؤمنين عنه على طريق الاستهزاء { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } أي البعث وهو بيان للشأن المفخم وتقديره : عم يتساءلون يتساءلون عن النبإ العظيم { ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } فمنهم من يقطع بإنكاره ومنهم من يشك . وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين وكانوا جيعاً يتساءلون عنه ، فالمسلم يسأل ليزداد خشية ، والكافر يسأل استهزاء { كَلاَّ } ردع عن الاختلاف أو التساؤل هزؤاً { سَيَعْلَمُونَ } وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون عياناً أن ما يستاءلون عنه حق { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } كرر الردع للتشديد و « ثم » يشعر بأن الثاني أبلغ من الأول وأشد . { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ } لما أنكروا البعث . قيل لهم : ألم يخلق من أضيف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة فلم تنكرون قدرته على البعث وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات ؟ أو قيل لهم : لم فعل هذه الأشياء والحكيم لا يفعل عبثاً وإنكار البعث يؤدي إلى أنه عابث في كل ما فعل ؟ { مِهَـٰداً } فراشاً فرشناها لكم حتى سكنتموها { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } للأرض لئلا تيمد بكم { وَخَلَقْنَـٰكُمْ أَزْوٰجاً } ذكر أو أنثى { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } قطعاً لأعمالكم وراحة لأبدانكم والسبت القطع { وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً } ستراً يستركم عن العيون إذا أردتم إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } وقت معاش تتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً } سبع سموات { شِدَاداً } جمع شديدة أي محكمة قوية لا يؤثّر فيها مرور الزمان أو غلاظاً غلظ كل واحدة مسيرة خمسمائة عام { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } مضيئاً وقّاداً أي جامعاً للنور والحرارة والمراد الشمس { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ } أي السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر ، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض ، أو الرياح لأنها تنشىء السحاب وتدر أحلافه فيصح أن تجعل مبدأ للإنزال ، وقد جاء أن الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب { مَاءً ثَجَّاجاً } منصباً بكثرة { لِّنُخْرِجَ بِهِ } بالماء { حَبّاً } كالبر والشعير { وَنَبَاتاً } وكلأ { وَجَنَّـٰتٍ } بساتين { أَلْفَافاً } ملتفة الأشجار واحدها لف كجذع وأجذاع ، أو لفيف كشريف وأشراف ، أو لا واحد له كأوزاع ، أو هي جمع الجمع فهي جمع لف واللف جمع لفاء وهي شجرة مجتمعة . ولا وقف من { أَلَمْ نَجْعَلِ } إلى { أَلْفَافاً } الوقف الضروري على { أَوْتَاداً } و { مَعَاشاً } . { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } بين المحسن والمسيء والمحق والمبطل { كَانَ مِيقَـٰتاً } وقتاً محدوداً ومنتهى معلوماً لوقوع الجزاء أو ميعاداً للثواب والعقاب . { يَوْمَ يُنفَخُ } بدل من { يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } أو عطف بيان { فِى ٱلصُّورِ } في القرن { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } حال أي جماعات مختلفة أو أمماً كل أمة مع رسولها { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَاء } خفيف : كوفي أي شقت لنزول الملائكة { فَكَانَتْ أَبْوٰباً } فصارت ذات أبواب وطرق وفروج ومالها اليوم من فروج { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } عن وجه الأرض { فَكَانَتْ سَرَاباً } أي هباء تخيّل الشمس أنه ماء { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } طريقاً عليه ممر الخلق فالمؤمن يمر عليها والكافر يدخلها . وقيل : المرصاد الحد الذي يكون فيه الرصد أي هي حد الطاغين الذين يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم ، أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها لأن مجازهم عليها { لّلطَّـٰغِينَ مَـئَاباً } للكافرين مرجعاً { لَّـٰبِثِينَ } ماكثين حال مقدرة من الضمير في { لِلطَّـٰغِينَ } حمزة { لَّـبِثِينَ } واللبث أقوى إذ اللابث من وجد منه اللبث وإن قل ، واللبث من شأنه اللبث والمقام في المكان { فِيهَا } في جهنم { أَحْقَاباً } ظرف جمع حقب وهو الدهر ولم يرد به عدد محصور بل الأبد كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية ، ولا يستعمل الحقب والحقبة إلا إذا أريد تتابع الأزمنة وتواليها . وقيل : الحقب ثمانون سنة . وسئل بعض العلماء عن هذه الآية فأجاب بعد عشرين سنة { لَّـٰبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً } . { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } أي غير ذائقين حال من ضمير { لَّـٰبِثِينَ } فإذا انقضت هذه الأحقاب التي عذبوا فيها بمنع البرد والشراب بدلوا بأحقاب أخر فيها عذاب آخر وهي أحقاب بعد أحقاب لا انقطاع لها . وقيل : هو من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه حقاب فينتصب حالاً عنهم أي لابثين فيها حقبين جهدين و { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } تفسير له . وقوله { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } استثناء منقطع أي { لاَ يَذُوقُونَ } في جهنم أو في الأحقاب { بَرْداً } روْحاً ينفس عنهم حر النار أو نوماً ومنه منع البرد البرد ، { وَلاَ شَرَاباً } يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميماً ماء حاراً يحرق ما يأتي عليه { وَغَسَّاقاً } ماء يسيل من صديدهم . وبالتشديد : كوفي غير أبي بكر { جَزَاءً } جوزوا جزاء { وِفَـٰقاً } موافقاً لأعمالهم مصدر بمعنى الصفة أو ذا وفاق . ثم استأنف معللاً فقال { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } لا يخافون محاسبة الله إياهم أو لم يؤمنوا بالبعث فيرجوا حساباً { وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كِذَّاباً } تكذيباً وفعّال في باب فعّل كله فاش { وَكُلَّ شىْءٍ } نصب بمضمر يفسره { أَحْصَيْنَـٰهُ كِتَـٰباً } مكتوباً في اللوح حال أو مصدر في موضع إحصاء ، أو أحصيناً في معنى كتبنا لأن الاحصاء يكون بالكتابة غالباً . وهذه الآية اعتراض لأن قوله { فَذُوقُواْ } مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات أي فذوقوا جزاءكم والالتفات شاهد على شدة الغضب { فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } في الحديث " هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار » . "