Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 81, Ayat: 1-29)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مكية وهي تسع وعشرون آية بسم الله الرحمٰن الرحيم { إذا الشّمس كُوِّرَتْ } ذهب بضوئها من كورت العمامة إذا لفقتها أي يلف ضوءها لفاً فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق . وارتفاع { الشمس } بالفاعلية ورافعها فعل مضمر يفسره { كورت } لأن « إذا » يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط { وإذا النّجوم انكدرت } تساقطت { وإذا الجبال سُيِّرَت } عن وجه الأرض وأبعدت أو سيرت في الجو تسيير السحاب { وإذا العشارُ } جمع عشراء وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر ، ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة { عُطِّلَتْ } أهملت عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم وكانوا يحبسونها إذا بلغت هذه الحالة لعزتها عندهم ويعطلون ما دونها . { عطلت } بالتخفيف عن اليزيدي { وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ } جمعت من كل ناحية . قال قتادة : يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص فإذا قضى بينها ردت أتراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم كالطاوس ونحوه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : حشرها موتها . يقال : إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتم السنة . { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } { سُجّرَتْ } مكي وبصري من سجر التنور إذا ملأه بالحطب أي ملئت ، وفجر بعضاً إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً . وقيل : ملئت نيراناً لتعذيب أهل النار { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قرنت كل نفس بشكلها الصالح مع الصالح في الجنة والطالح مع الطالح في النار ، أو قرنت الأرواح بالأجساد ، أو بكتبها وأعمالها ، أو نفوس المؤمنين بالحور العين ونفوس الكافرين بالشياطين { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ } المدفونة حية ، وكانت العرب تئد البنات خشية الإملاق وخوف الاسترقاق { سُئِلَتْ } سؤال تلطف لتقول بلا ذنب قتلت ، أو لتدل على قاتلها ، أو هو توبيخ لقاتلها بصرف الخطاب عنه كقوله : { أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ } [ المائدة : 116 ] الآية { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } وبالتشديد : يزيد . وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون ، وعلى أن التعذيب لا يكون بلا ذنب { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } { فُتِحَتْ } وبالتخفيف : مدني وشامي وعاصم وسهل ويعقوب . والمراد صحف الأعمال تطوى صحيفة الإنسان عند موته ثم تنشر إذا حوسب ، ويجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أي فرقت بينهم { وَإِذَا ٱلسَّمَاءُ كُشِطَتْ } قال الزجاج : قلعت كما يقلع السقف { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } أوقدت إيقاداً شديداً . بالتشديد : شامي ومدني وعاصم غير حماد ويحيى للمبالغة { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } أدنيت من المتقين كقوله : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } [ ق : 31 ] . فهذه اثنتا عشرة خصلة ست منها في الدنيا والباقية في الآخرة . ولا وقف مطلقاً من أول السورة إلى { مَّا أَحْضَرَتْ } لأن عامل النصب في { إِذَا ٱلشَّمْسُ } وفيما عطف عليه جوابها وهو { عَلِمَتْ نَفْسٌ } أي كل نفس ولضرورة انقطاع النفس على كل آية جوز الوقف { مَّا أَحْضَرَتْ } من خير وشر . { فَلاَ أُقْسِمُ } « لا » زائدة { بِٱلْخُنَّسِ } بالرواجع بينا ترى النجم في آخر البرج إذ كرّ راجعاً إلى أوله { ٱلْجَوَارِ } السيارة { ٱلْكُنَّسِ } الغيب من كنس الوحش إذا دخل كناسه . قيل : هي الدراري الخمسة : بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري ، تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس ، فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس . وقيل : هي جميع الكواكب { وَٱلَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } أقبل بظلامه أو أدبر فهو من الأضداد . { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } امتد ضوءه . ولما كان إقبال الصبح يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفساً له مجازاً وجواب القسم { إِنَّهُ } أي القرآن { لَقَوْلُ رَسُولٍ } أي جبريل عليه السلام . وإنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذي نزل به { كَرِيمٍ } عند ربه { ذِى قُوَّةٍ } قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف { عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ } عند الله { مَّكِينٍ } ذي جاه ومنزلة . ولما كانت على حال المكانة على حسب حال المكين قال { عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ } ليدل على عظم منزلته ومكانته { مُّطَـٰعٍ ثَمَّ } أي في السماوات يطيعه من فيها أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه ملائكته المقربون يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه { أَمِينٍ } على الوحي { وَمَا صَـٰحِبُكُمْ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { بِمَجْنُونٍ } كما تزعم الكفرة وهو عطف على جواب القسم . { وَلَقَدْ رَءَاهُ } رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته { بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } بمطلع الشمس { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ } وما محمد على الوحي { بِضَنِينٍ } ببخيل من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالوحي كما يبخل الكهان رغبة في الحلوان بل يعلمه كما علم ولا يكتم شيئاً مما علم . { بظنين } مكي وأبو عمرو وعلي أي بمتهم فينقص شيئاً مما أوحي إليه أو يزيد فيه من الظنة وهي التهمة { وَمَا هُوَ } وما القرآن { بِقَوْلِ شَيْطَـٰنٍ رَّجِيمٍ } طريد وهو كقوله : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَـٰطِينُ } [ الشعراء : 210 ] . أي ليس هو بقول بعض المسترقة للسمع وبوحيهم إلى أوليائهم من الكهنة { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } استضلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافاً أو ذهاباً في بنيات الطريق أي تذهب ؟ . مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدو لهم عنه إلى الباطل . وقال الزجاج : معناه فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم ؟ وقال الجنيد : فأين تذهبون عنا وإن من شيء إلا عندنا { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَـٰلَمِينَ } ما القرآن إلا عظة للخلق { لِمَن شَاءَ مِنكُمْ } بدل من { ٱلْعَـٰلَمِينَ } { أَن يَسْتَقِيمَ } أي القرآن ذكر لمن شاء الاستقامة يعني أن الذين شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر فكأنه لم يوعظ به غيرهم وإن كانوا موعوظين جميعاً { وَمَا تَشَاءُونَ } الاستقامة { إِلاَّ أَن يَشَاءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } مالك الخلق أجمعين .