Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 83, Ayat: 1-36)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مختلف فيها وهي ست وثلاثون آية بسم الله الرحمٰن الرحيم { وَيْلٌ } مبتدأ خبره { لّلْمُطَفّفِينَ } للذين يبخسون حقوق الناس في الكيل والوزن { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } أي إذا أخذوا بالكيل من الناس يأخذون حقوقهم وافية تامة . ولما كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً يضرهم ويتحامل فيه عليهم أبدل على مكان من للدلالة على ذلك ، ويجوز أن يتعلق « على » بـ { يَسْتَوْفُونَ } ويقدم المفعول على الفعل لإفادة الاختصاص أي يستوفون على الناس خاصة . وقال الفراء : « من » و « على » يعتقبان في هذا الموضع لأنه حق عليه ، فإذا قال : اكتلت عليك فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قال : اكتلت منك فكأنه قال : استوفيت منك . والضمير المنصوب في { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } راجع إلى الناس أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذف الجار وأوصل الفعل . وإنما لم يقل أو اتزنوا كما قيل { أَوْ وَّزَنُوهُمْ } اكتفاء ، ويحتمل أن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة لأنهم يدعدعون ويحتالون في الملء ، وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين { يُخْسِرُونَ } ينقصون يقال خسر الميزان وأخسره . { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني يوم القيامة . أدخل همزة الاستفهام على « لا » النافية توبيخاً وليست « ألا » هذه للتنبيه ، وفيه إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف كأنهم لا يخطرون ببالهم ولا يخمنون تخميناً أنهم مبعوثون ومحاسبون على مقدار الذرة ، ولو ظنوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن . وعن عبد الملك بن مروان أن أعرابياً قال له : لقد سمعت ما قال الله في المطففين ، أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم الذي سمعت به فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن ونصب ؟ ! { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ } بمبعوثون { لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } لأمره وجزائه . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ هذه السورة فلما بلغ هنا بكى نحيباً وامتنع من قراءة ما بعده { كَلاَّ } ردع وتنبيه أي ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحساب ، ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه ويندم عليه . ثم اتبعه وعيد الفجار على العموم فقال { إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ } صحائف أعمالهم { لَفِى } { سِجّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ * كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } فإن قلت : قد أخبر الله تعالى عن كتاب الفجار بأنه في سجين وفسر سجيناً بكتاب مرقوم فكأنه قيل : إن كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه ؟ قلت : سجين كتاب جامع هو ديوان الشرّ دوّن الله فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس ، وهو كتاب مرقوم مسطور بيّن الكتابة ، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه من رقم الثياب علامتها . والمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان . وسمي سجيناً فعّيلاً من السجن وهو الحبس والتضييق لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم ، أو لأنه مطروح تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم وهو مسكن إبليس وذريته ، وهو اسم علم منقول من وصف كحاتم منصرف لوجود سبب واحد وهو العلمية فحسب { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ } يوم يخرج المكتوب { لّلْمُكَذّبِينَ ٱلَّذِينَ يُكَذّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدّينِ } الجزاء والحساب { وَمَا يُكَذّبُ بِهِ } بذلك اليوم { إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ } مجاوز للحد { أَثِيمٍ } مكتسب للإثم { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءايَـٰتُنَا } أي القرآن { قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلأوَّلِينَ } أي أحاديث المتقدمين . وقال الزجاج : أساطير أباطيل واحدها أسطورة مثل أحدوثة وأحاديث . { كَلاَّ } ردع للمعتدي الأثيم عن هذا القول { بَلْ } نفي لما قالوا ويقف حفص على { بَل } وقيفة { رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } عطاها كسبهم أي غلب على قلوبهم حتى غمرها ما كانوا يكسبون من المعاصي . وعن الحسن : الذنب بعد الذنب حتى يسودّ القلب . وعن الضحاك : الرين موت القلب . وعن أبي سليمان : الرين والقسوة زماماً الغفلة ودواؤهما إدمان الصوم فإن وجد بعد ذلك قسوة فليترك الإدام . { كَلاَّ } ردع عن الكسب الرائن على القلب { إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ } عن رؤية ربهم { يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } لممنوعون والحجب : المنع قال الزجاج : في الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم وإلا لا يكون التخصيص مفيداً . وقال الحسين بن الفضل : كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في العقبى عن رؤيته . وقال مالك بن أنس رحمه الله : لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه . وقيل : عن كرامة ربهم لأنهم في الدنيا لم يشكروا نعمه فيئسوا في الآخرة عن كرامته مجازاة . والأول أصح لأن الرؤية أقوى الكرامات فالحجب عنها دليل الحجب عن غيرها { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } ثم بعد كونهم محجوبين عن ربهم لداخلون النار { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي هذا العذاب هو الذي كنتم تكذبون به في الدنيا وتنكرون وقوعه . { كَلاَّ } ردع عن التكذيب { إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلأَبْرَارِ } ما كتب من أعمالهم والأبرار المطيعون الذين لا يطففون ويؤمنون بالبعث لأنه ذكر في مقابلة الفجار ، وبيّن الفجار بأنهم المكذبون بيوم الدين . وعن الحسن : البر الذي لا يؤذي الذر { لَفِى عِلِّيِّينَ } هو علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع « عليّ » فعيل من العلو سمي به لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة ، أو لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريماً له { وَمَا أَدْرَاكَ } ما الذي أعلمك يا محمد { مَا عِلِّيُّونَ } أي شيء هو { كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } تحضره الملائكة . قيل : يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء إذا رفع { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ } تنعم في الجنان { عَلَىٰ ٱلأَرَآئِكِ } الأسرة في الحجال { يَنظُرُونَ } إلى كرامة الله ونعمه وإلى أعدائهم كيف يعذبون { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } بهجة التنعم وطراوته { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ } شراب خالص لا غش فيه { مَّخْتُومٍ * خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ } تختم أوانيه بمسك بدل الطين الذي يختم به الشراب في الدنيا . أمر الله تعالى بالختم عليه إكراماً لأصحابه أو ختامه مسك مقطعه رائحة مسك أي توجد رائحة المسك عند خاتمة شربه . { خاتمه } عليّ { وَفِى ذَلِكَ } الرحيق أو النعيم { فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ } فليرغب الراغبون وذا إنما يكون بالمسارعة إلى الخيرات والانتهاء عن السيئات { وَمِزَاجُهُ } ومزاج الرحيق { مِن تَسْنِيمٍ } هو علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنّمه إذا رفعه لأنها أرفع شراب في الجنة ، أو لأنها تأتيهم من فوق وتنصب في أوانيهم { عَيْناً } حال أو نصب على المدح { يَشْرَبُ بِهَا } أي منها { ٱلْمُقَرَّبُونَ } عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم : يشربها المقربون صرفاً وتمزج لأصحاب اليمين . { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } كفروا { كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ } في الدنيا استهزاء بهم . { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } يشير بعضهم إلى بعض بالعين طعناً فيهم وعيباً لهم . قيل : جاء علي رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا وقالوا : أترون هذا الأصلع فنزلت قبل أن يصل عليّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَإِذَا ٱنقَلَبُواْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ } أي إذا رجع إلى الكفار منازلهم { ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } متلذذين بذكرهم والسخرية منهم . وقرأ غير حفص { فَـٰكِهِينَ } أي فرحين { وَإِذَا رَأَوْهُمْ } وإذا رأى الكافرون المؤمنين { قَالُواْ إِنَّ هَـؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } أي خدع محمد هؤلاء فضلوا وتركوا اللذات لما يرجونه في الآخرة من الكرامات ، فقد تركوا الحقيقة بالخيال وهذا هو عين الضلال { وَمَا أُرْسِلُواْ } وما أرسل الكفار { عَلَيْهِمْ } على المؤمنين { حَـٰفِظِينَ } يحفظون عليهم أحوالهم ويرقبون أعمالهم بل أمروا بإصلاح أنفسهم فاشتغالهم بذلك أولى بهم من تتبع غيرهم وتسفيه أحلامهم { فَٱلْيَوْمَ } أي من يوم القيامة { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } ثم كما ضحكوا منهم هنا مجازاة { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } حال أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والصغار بعد العزة والاستكبار وهم على الأرائك آمنون . وقيل : يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم : هلموا إلى الجنة ، فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم فيضحك المؤمنون منهم { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } هل جوزوا بسخريتهم بالمؤمنين في الدنيا إذا فعل بهم ما ذكر ؟ والله أعلم .