Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 1-26)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية وهي ست وعشرون آية بسم الله الرحمٰن الرحيم { هَلُ } بمعنى « قد » { أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَـٰشِيَةِ } الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها يعني القيامة . وقيل : النار من قوله : { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } [ إبراهيم : 50 ] { وُجُوهٌ } أي وجوه الكفار ، وإنما خص الوجه لأن الحزن والسرور إذا استحكما في المرء أثراً في وجهه { يَوْمَئِذٍ } يوم إذ غشيت { خَـٰشِعَةٌ } ذليلة لما اعترى أصحابها من الخزي والهوان { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } تعمل في النار عملاً تتعب فيه وهو جرها السلاسل والأغلال وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل ، وارتقاؤها دائبة في صعود من نار وهبوطها في حدور منها . وقيل : عملت في الدنيا أعمال السوء والتذت بها وتنعمت فهي في نصب منها في الآخرة . وقيل : هم أصحاب الصوامع ومعناه أنها خشعت الله وعملت ونصبت في أعمالها من الصوم الدائب والتهجد الواصب { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } تدخل ناراً قد أحميت مدداً طويلة فلا حر يعدل حرها { تَصْلَىٰ } أبو عمرو وأبو بكر { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ } من عين ماء قد انتهى حرها ، والتأنيث في هذه الصفات والأفعال راجعة إلى الوجوه والمراد أصحابها بدليل قوله { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } وهو نبت يقال له الشِّبرِق فإذا يبس فهو ضريع وهو سم قاتل ، والعذاب ألوان والمعذبون طبقات ، فمنهم أكلة الزقوم ، ومنهم أكلة الغسلين ، ومنهم أكلة الضريع ، فلا تناقض بين هذه الآية وبين قوله { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 36 ] { لاَّ يُسْمِنُ } مجرور المحل لأنه وصف { ضَرِيعٍ } { وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ } أي منفعتا الغذاء منتفيتان عنه وهما إماطة الجوع وإفادة السمن في البدن . { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } ثم وصف وجوه المؤمنين ولم يقل ووجوه لأن الكلام الأول قد طال وانقطع { نَّاعِمَةٌ } متنعمة في لين العيش { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } رضيت بعملها وطاعتها لما رأت ما أداهم إليه من الكرامة والثواب { فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } من علو المكان أو المقدار { لاَ تَسْمَعُ } يا مخاطب أو الوجوه { فِيهَا لَـٰغِيَةً } أي لغواً أو كلمة ذات لغو أو نفساً تلغو ، لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم . { لاَ يَسْمَعُ فِيهَا لَـٰغِيَةً } : مكي وأبو عمرو : { لاَّ تُسْمَعُ فِيهَا لَـٰغِيَةً } نافع { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } أي عيون كثيرة كقوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ } [ الانفطار : 5 ] { فِيهَا سُرُرٌ } جمع سرير { مَّرْفُوعَةٍ } من رفعة المقدار أو السمك ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوله ربه من الملك والنعيم . { وَأَكْوابٌ } جمع كوب وهو القدح . وقيل : آنية لا عروة لها { مَّوْضُوعَةٌ } بين أيديهم ليتلذذوا بها بالنظر إليها أو موضوعة على حافات العيون معدة للشرب { وَنَمَارِقُ } وسائد { مَصْفُوفَةٌ } بعضها إلى جنب بعض مساند ومطارح أينما أراد أن يجلس جلس على مسودة واستند إلى الأخرى { وَزَرَابِيُّ } وبسط عراض فاخرة جمع زربية { مَبْثُوثَةٌ } مبسوطة أو مفرقة في المجالس . ولما أنزل الله تعالى هذه الآيات في صفة الجنة ، وفسر النبي عليه السلام بأن ارتفاع السرير يكون مائة فرسخ ، والأكواب الموضوعة لا تدخل في حساب الخلق لكثرتها ، وطول النمارق كذا وعرض الزرابي كذا ، أنكر الكفار وقالوا : كيف يصعد على هذا السرير ، وكيف تكثر الأكواب هذه الكثرة ، وتطول النمارق هذا الطول ، وبسط الزرابي هذا الانبساط ولم نشاهد ذلك في الدنيا ؟ فقال الله تعالى { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } طويلة ثم تبرك حتى تركب أو يحمل عليها ثم تقوم فكذا السرير يطأطىء للمؤمن كما يطأطىء الإبل { وَإِلَى ٱلسَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } رفعاً بعيد المدى بلا إمساك وعمد ، ثم نجومها تكثر هذه الكثرة فلا تدخل في حساب الخلق فكذا الأكواب { وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } نصباً ثابتاً فهي راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } سطحاً بتمهيد وتوطئة فهي كلها بساط واحد تنبسط من الأفق إلى الأفق فكذا الزرابي ؛ ويجوز أن يكون المعنى أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه ، وتخصيص هذه الأربعة باعتبار أن هذا خطاب للعرب وحث لهم على الاستدلال ، والمرء إنما يستدل بما تكثر مشاهدته له ، والعرب تكون في البوادي ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والإبل فهي أعز أموالهم وهم لها أكثر استعمالاً منهم لسائر الحيوانات ، ولأنها تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان وهي النسل والدر والحمل والركوب والأكل بخلاف غيرها ، ولأن خلقها أعجب من غيرها فإنه سخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تعاز ضعيفاً ولا تمانع صغيراً ، وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار ، وجعلها بحيث تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ، ثم تنهض بما حملت وتجرها إلى البلاد الشاحطة ، وصبرها على احتمال العطش حتى إن ظمأها لترتفع إلى العشر فصاعداً ، وجعلها ترعى كل نابت في البراري مما لا يرعاه سائر البهائم . { فَذَكِّرْ } فذكرهم بالأدلة ليتفكروا فيها { إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ } ليس عليك إلا التبليغ { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } بمسلط كقوله { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } [ ق : 45 ] ، { بمصيطر } : مدني وبصري وعلي وعاصم { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيْعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } الاستثناء منقطع أي لست بمسؤول عليهم ولكن من تولى منهم وكفر بالله فإن لله الولاية عليه والقهر فهو يعذبه العذاب الأكبر وهو عذاب جهنم . وقيل : هو استثناء من قوله { فَذَكِّرْ } أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } رجوعهم ، وفائدة تقديم الظرف التشديد في الوعيد وإن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } فنحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها جزاء أمثالهم و « على » لتأكيد الوعيد لا للوجوب إذ لا يجب على الله شيء .