Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 1-14)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بسم الله الرحمٰن الرحيم { وَٱلْفَجْرِ } أقسم بالفجر وهو الصبح كقوله { وَٱلصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } [ المدثر : 34 ] ، أو بصلاة الفجر { وَلَيالٍ عَشْرٍ } عشر ذي الحجة أو العشر الأول من المحرم ، أو الآخر من رمضان . وإنما نكرت لزيادة فضيلتها { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } شفع كل الأشياء ووترها أو شفع هذه الليالي ووترها ، أو شفع الصلاة ووترها ، أو يوم النحر لأنه اليوم العاشر ويوم عرفة لأنه اليوم التاسع ، أو الخلق والخالق . { وَٱلْوَتْرِ } حمزة وعلي ، وبفتح الواو غيرهما ، وهما لغتان : فالفتح حجازي والكسر تميمي . وبعد ما أقسم بالليالي المخصوصة أقسم بالليل على العموم فقال { وَٱلَّيْلِ } وقيل : أريد به ليلة القدر { إِذَا يَسْرِ } إذا يمضي وياء { يَسْرِ } تحذف في الدرج اكتفاء عنها بالكسرة ، وأما في الوقف فتحذف مع الكسرة . وسأل واحد الأخفش عن سقوط الياء فقال : لا ، حتى تخدمني سنة فسأله بعد سنة فقال : الليل لا يسري وإنما يسرى فيه ، فلما عدل عن معناه عدل عن لفظه موافقة . وقيل : معنى يسري : يسرى فيه كما يقال : ليل نائم أي ينام فيه . { هَلْ فِى ذَلِكَ } أي فيما أقسمت به من هذه الأشياء { قَسَمٌ } أي مقسم به { لِّذِى حِجْرٍ } عقل سمي به لأنه يحجر عن التهافت فيما لا ينبغي كما سمي عقلاً ونهية لأنه يعقل وينهى ، يريد هل تحقق عنده أن تعظم هذه الأشياء بالإقسام بها ، أو هل في إقسامي بها إقسام لذي حجر أي هل هو قسم عظيم يؤكد بمثله المقسم عليه ؟ أو هل في القسم بهذه الأشياء قسم مقنع لذي عقل ولب ؟ والمقسم عليه محذوف وهو قوله « ليعذبن » يدل عليه قوله { أَلَمْ تَرَ } إلى قوله : { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } . ثم ذكر تعذيب الأمم التي كذبت الرسل فقال { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذاتِ ٱلْعِمَادِ } أي ألم تعلم يا محمد علماً يوازي العيان في الإيقان ؟ وهو استفهام تقرير قيل : لعقب عاد ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عاد ما يقال لبني هاشم هاشم ، ثم قيل للأولين منهم : عاد الأولى ، والإرم تسمية لهم باسم جدهم ومن بعدهم عاد الأخيرة ، فـ { إِرَمَ } عطف بيان لـ { عَادٍ } وإيذان بأنهم عاد الأولى القديمة . وقيل : إرم بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها ويدل عليه قراءة ابن الزبير { بِعَادٍ * إِرَمَ } على الإضافة وتقديره بعاد أهل إرم كقوله { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ولم تنصرف قبيلة كانت أو أرضاً للتعريف والتأنيث وذات العماد إذا كانت صفة للقبيلة ، فالمعنى أنهم كانوا بدويين أهل عمد أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة وإن كانت صفة للبلدة أنها ذات أساطين . ورُوي أنه كان لعاد ابنان : شداد وشديد فملكا وقهرا ، ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال : أبني مثلها فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة ، وأساطينها من الزبرجد والياقوت ، وفيها أصناف الأشجار والأنهار . ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته ، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا . وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مما ثمة ، وبلغ خبره معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث إلى كعب فسأله فقال : هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال : هذا والله ذلك الرجل { ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَـٰدِ } أي مثل عاد في قوتهم وطول قامتهم ، كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع ، أو لم يخلق مثل مدينة شداد في جميع بلاد الدنيا { وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ } قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتاً . قيل : أول من نحت الجبال والصخور ثمود ، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة { بِٱلْوَادِ } بوادي القرى { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } أي ذي الجنود الكثيرة وكانت لهم مضارب كثيرة يضربونها إذا نزلوا . وقيل : كان له أوتاد يعذب الناس بها كما فعل بآسية { ٱلَّذِينَ } في محل النصب على الذم ، أو الرفع على « هم الذين » ، أو الجر على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون { طَغَوْاْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } تجاوزوا الحد { فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ } بالكفر والقتل والظلم { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } مجاز عن إيقاع العذاب بهم على أبلغ الوجوه إذا الصب يشعر بالدوام والسوط بزيادة الإيلام أي عذبوا عذاباً مؤلماً دائماً { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } وهو المكان الذي يترقب فيه الرصد مفعال من رصده ، وهذا مثل لإرصاده العباد وأنهم لا يفوتونه ، وأنه عالم بما يصدر منهم وحافظه فيجازيهم عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر .