Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 9-18)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱشْتَرَوُاْ } استبدلوا { بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } بالقرآن { ثَمَناً قَلِيلاً } عرضاً يسيراً وهو إتباع الأهواء والشهوات { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ } فعدلوا عنه وصرفوا غيرهم { إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي بئس الصنيع صنيعهم { لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } ولا تكرار ، لأن الأول على الخصوص حيث قال { فيكُمْ } والثاني على العموم لأنه قال { فِى مُؤْمِنٍ } { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } المجاوزون الغاية في الظلم والشرارة { فَإِن تَابُواْ } عن الكفر { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوٰنُكُمْ } فهم إخوانكم على حذف المبتدأ { فِى ٱلدّينِ } لا في النسب { وَنُفَصّلُ ٱلأيَـٰتِ } ونبينها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يفهمون فيتفكرون فيها وهذا اعتراض ، كأنه قيل : وإن من تأمل تفصيلها فهو العالم تحريضاً على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } أي نقضوا العهود المؤكد بالأيمان { وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ } وعابوه { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } فقاتلوهم ، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم وهم رؤساء الشرك ، أو زعماء قريش الذين هموا بإخراج الرسول وقالوا : إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعناً ظاهراً جاز قتله لأن العهد معقود معه على أن لا يطعن فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة . { أَئِمَّةَ } بهمزتين : كوفي وشامي ، الباقون : بهمزة واحدة غير ممدودة بعدها ياء مكسرورة ، أصلها « أأممة » لأنها جمع إمام كعماد وأعمدة ، فنقلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة وأدغمت في الميم الأخرى . فمن حقق الهمزتين أخرجهما على الأصل ، ومن قلب الثانية ياء فلكسرتها { إنهم لا أيمان لهم } وإنما أثبت لهم الإيمان في قوله { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم } لأنه أراد أيمانهم التي أظهروها ثم قال { لا إيْمَـٰنَ لَهُمْ } على الحقيقة وهو دليل لنا على أن يمين الكافر لا تكون يميناً ، ومعناه عند الشافعي رحمه الله أنهم لا يوفون بها لأن يمينهم يمين عنده حيث وصفها بالنكث . { لا أَيْمَـٰنَ } شامي أي لا إسلام { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } متعلق بـ { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } وما بينها اعتراض أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم انتهاءهم عما هم عليه بعدما وجد منهم من العظائم ، وهذا من غاية كرمه على المسيء . ثم حرض على القتال فقال : { أَلاَ تُقَـٰتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُمْ } التي حلفوها في المعاهدة { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } من مكة { وَهُم بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } بالقتال والبادىء أظلم فما يمنعكم من أن تقاتلوهم ، وبخهم بترك مقاتلتهم وحضهم عليها ، ثم وصفهم بما يوجب الحض عليها من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب { أَتَخْشَوْنَهُمْ } توبيخ على الخشية منهم { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } بأن تخشوه فقاتلوا أعداءه { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فاخشوه أي إن قضية الإيمان الكامل أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالي بمن سواه . ولما وبخهم الله على ترك القتال جرد لهم الأمر به بقوله : { قَـٰتِلُوهُمْ } ووعدهم النصر ليثبت قلوبهم ويصحح نياتهم بقوله { يُعَذّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } قتلاً { وَيُخْزِهِمْ } أسراً { وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } يغلّبكم عليهم { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } طائفة منهم وهم خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } لما لقوا منهم من المكروه وقد حصل الله هذه المواعيد كلها فكان دليلاً على صحة نبوته { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاء } ابتداء كلام وإخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره وكان ذلك أيضاً ، فقد أسلم ناس منهم كأبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ، وهي ترد على المعتزلة قولهم « إن الله تعالى شاء أن يتوب على جميع الكفرة لكنهم لا يتوبون باختيارهم » . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان { حَكِيمٌ } في قبول التوبة { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ } « أم » منقطعة والهمزة فيها للتوبيخ على وجود الحسبان أي لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين المخلص منكم وهم الذين جاهدوا في سبيل الله لوجه الله { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً } أي بطانة من الذين يضادون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ولما معناها التوقع ، وقد دلت على أن تبين ذلك متوقع كائن ، وأن الذين لم يخلصوا دينهم لله يميز بينهم وبين المخلصين . { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ } معطوف على { جَـٰهَدُواْ } داخل في حيز الصلة كأنه قيل : ولما يعلم الله المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة من دون الله ، والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كقولك « ما علم الله مني ما قيل فيّ » . تريد ما وجد ذلك مني ، والمعنى أحسبتم أن تتركوا بلا مجاهدة ولا براءة من المشركين { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من خير أو شر فيجازيكم عليه . { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ } ما صح لهم وما استقام { أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله } { مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ } مكي وبصري يعني المسجد الحرام ، وإنما جمع في القراءة بالجمع لأنه قبلة المساجد وإمامها فعامره كعامر جميع المساجد ، ولأن كل بقعة منه مسجد ، أو أريد جنس المساجد وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس ، وهو آكد إذ طريقه طريق الكناية كما تقول : « فلان لا يقرأ كتب الله » فإنه أنفى لقراءته القرآن من تصريحك بذلك { شَـهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ } باعترافهم بعبادة الأصنام وهو حال من الواو في { يَعْمُرُواْ } والمعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متضادين عمارة متعبدات الله مع الكفر بالله وبعبادته { أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ وَفِى ٱلنَّارِ هُمْ خَـٰلِدُونَ } دائمون { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ } عمارتها رمُّ ما استرم منها وقمها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا ، لأنها بنيت للعبادة والذكر ومن الذكر درس العلم { مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ } ولم يذكر الإيمان بالرسول عليه السلام لما علم أن الإيمان بالله قرينته الإيمان بالرسول لاقترانهما في الأذان والإقامة وكلمة الشهادة وغيرها ، أو دل عليه بقوله { وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَى ٱلزَّكَوٰةَ } وفي قوله { وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ } تنبيه على الإخلاص ، والمراد الخشية في أبواب الدين بأن لا يختار على رضا الله رضا غيره لتوقع مخوف ، إذ المؤمن قد يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها . وقيل : كانوا يخشون الأصنام ويرجونها : فأريد نفي تلك الخشية عنهم { فَعَسَىٰ أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء وحسم لأطماعهم في الانتفاع بأعمالهم لأن { عَسَى } كلمة إطماع ، والمعنى إنما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتداً بها عند الله دون من سواهم .