Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-20)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لآ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } أقسم سبحانه بالبلد الحرام وبما بعده على أن الإنسان خلق مغموراً في مكابدة المشاق . واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } أي ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد يعني مكة كما يستحل الصيد في غير الحرم . عن شرحبيل : يحرمون أن يقتلوا بها صيداً ويستحلون إخراجك وقتلك ، وفيه تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة ، وتعجيب من حالهم في عداوته . أو سلى رسول الله بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد ، واعترض بأن وعده فتح مكة تتميماً للتسلية والتنفيس عنه فقال : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } . أي وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر ، وذلك أن الله تعالى فتح عليه مكة وأحلها له وما فتحت على أحد قبله ولا أحلت له ، فأحل ما شاء وحرم ما شاء ، قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن صبابة وغيرهما ، وحرم دار أبي سفيان ونظير قوله { وَأَنتَ حِلٌّ } في الاستقبال قوله : { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } [ الزمر : 30 ] . وكفاك دليلاً على أنه للاستقبال أن السورة مكية بالاتفاق ، وأين الهجرة من وقت نزولها فما بال الفتح ؟ { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } هما آدم وولده ، أو كل والد وولده ، أو إبراهيم وولده ، و « ما » بمعنى « من » أو بمعنى « الذي » { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ } جواب القسم { فِى كَبَدٍ } مشقة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة . وعن ذي النون : لم يزل مربوطاً بحبل القضاء مدعواً إلى الائتمار والانتهاء . والضمير في { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } لبعض صناديد قريش الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكابد منهم ما يكابد ، ثم قيل هو أبو الأشد . وقيل : الوليد بن المغيرة . والمعنى أيظن هذا الصنديد القوي في قومه المتصعب للمؤمنين أن لن تقوم قيامه ولن يقدر على الانتقام منه ، ثم ذكر ما يقوله في ذلك اليوم وأنه { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } أي كثيراً جمع لبدة وهو ما تلبد أي كثر واجتمع ، يريد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونها مكارم ومعالي { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } حين كان ينفق ما ينفق رياء وافتخاراً يعني أن الله تعالى كان يراه وكان عليه رقيباً . ثم ذكر نعمه عليه فقال { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } يبصر بهما المرئيات { وَلِسَاناً } يعبر عما في ضميره { وَشَفَتَيْنِ } يستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ { وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } طريقي الخير والشر المفضيين إلى الجنة والنار وقيل الثديين . { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني فلم يشكر تلك الآيادي والنعم بالأعمال الصالحة من فك الرقاب أو إطعام اليتامى والمساكين ، ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة وأساس كل خير ، بل غمط النعم وكفر بالمنعم . والمعنى أن الإنفاق على هذا الوجه مرضي نافع عند الله لا أن يهلك ماله لبداً في الرياء والفخار . وقلما تستعمل « لا » مع الماضي إلا مكررة ، وإنما لم تكرر في الكلام الأفصح لأنه لما فسر اقتحام القبة بثلاثة أشياء صار كأنه أعاد « لا » ثلاث مرات وتقديره : فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً ولا آمن . والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة ، والقُحمة الشدة فجعل الصالحة عقبة وعملها اقتحاماً لها في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس . وعن الحسن : عقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان . والمراد بقوله { مَا ٱلْعَقَبَةُ } ما اقتحامها ومعناه أنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله . وفك الرقبة تخليصها من الرق والإعانة في مال الكتابة . { فَكَّ رَقَبَةً * أَوْ إِطْعَامٌ } مكي وأبو عمرو وعلي على الإبدال من اقتحم العقبة ، وقوله { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } اعتراض . غيرهم { فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ } على : اقتحامها فك رقبة أو إطعام . والمسغبة المجاعة ، والمقربة القرابة ، والمتربة الفقر ، مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب . يقال : فلان ذو قرابتي وذو مقربتي . وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب فيكون مأواه المزابل ووصف اليوم بذي مسغبة كقولهم همٌّ ناصب أي ذو نصب . ومعنى { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي داوم على الإيمان . وقيل : « ثم » بمعنى الواو . وقيل : إنما جاء بـ « ثم » لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت ، إذ الإيمان هو السابق على غيره ولا يثبت عمل صالح إلا به { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } عن المعاصي وعلى الطاعات والمحن التي يبتلى بها المؤمن { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } بالتراحم فيما بينهم { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } أي المصوفون بهذه الصفات من أصحاب الميمنة { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } بالقرآن أو بدلائلنا { هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } أصحاب الشمال والميمنة والمشأمة اليمين والشمال ، أو اليمن والشؤم أي الميامين على أنفسهم والمشائيم عليهن { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدةٌ } وبالهمز : أبو عمرو وحمزة وحفص أي مطبقة من أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وأغلقته والله أعلم .