Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 91, Ayat: 1-15)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا } وضوئها إذا أشرقت وقام سلطانها { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا } تبعها في الضياء والنور وذلك في النصف الأول من الشهر يخلف القمر الشمس في النور { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا } جلى الشمس وأظهرها للرائين وذلك عند انتفاخ النهار وانبساطه ، لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء . وقيل : الضمير للظلمة أو للدنيا أو للأرض وإن لم يجر لها ذكر كقوله : { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } [ فاطر : 45 ] { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا } يستر الشمس فتظلم الآفاق . والواو الأولى في نحو هذا للقسم بالاتفاق ، وكذا الثانية عند البعض . وعند الخليل : الثانية للعطف لأن إدخال القسم على القسم قبل تمام الأول لا يجوز ، ألا ترى أنك لو جعلت موضعها كلمة الفاء أو « ثم » لكان المعنى على حاله ؟ وهما حرفاً عطف فكذا الواو . ومن قال : إنها للقسم احتج بأنها لو كانت للعطف لكان عطفاً على عاملين ، لأن قوله { وَٱلَّيْلِ } مثلاً مجرور بواو القسم و { إِذَا يَغْشَىٰ } منصوب بالفعل المقدر الذي هو أقسم فلو جعلت الواو في { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } للعطف لكان النهار معطوفاً على الليل جراً ، و { إِذَا تَجَلَّىٰ } معطوفاً على { إِذَا يَغْشَىٰ } نصباً فصار كقولك : إن في الدار زيداً أو في الحجرة عمراً . وأجيب بأن واو القسم تنزل منزلة الباء والفعل حتى لم يجز إبراز الفعل معها فصارت كأنها العاملة نصباً وجراً ، وصارت كعامل واحد له عملان ، وكل عامل له عملان يجوز أن يعطف على معموليه بعاطف واحد بالاتفاق نحو : ضرب زيد عمراً وبكر خالداً ، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما ، فكذا هنا . و « ما » مصدرية في { وَٱلسَّمَاءِ وَمَا بَنَـٰهَا * وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَـٰهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } أي وبنائها وطحوها أي بسطها وتسوية خلقها في أحسن صورة عند البعض وليس بالوجه لقوله { فَأَلْهَمَهَا } لما فيه من فساد النظم ، والوجه أن تكون موصولة وإنما أوثرت على « من » لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل : والسماء ، والقادر العظيم الذي بناها ، ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها . وإنما نكرت النفس لأنه أراد نفساً خاصة من بين النفوس وهي نفس آدم كأنه قال : وواحدة من النفوس ، أو أراد كل نفس ، والتنكير للتكثير كما في { عَلِمَتْ نَفْسٌ } [ الانفطار : 5 ] { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } فأعلمها طاعتها ومعصيتها أفهمها أن أحدهما حسن والآخر قبيح { قَدْ أَفْلَحَ } جواب القسم والتقدير : لقد أفلح ، قال الزجاج : صار طول الكلام عوضاً عن اللام . وقيل : الجواب محذوف وهو الأظهر تقديره ليدمدمن الله عليهم أي على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحاً ، وأما { قَدْ أَفْلَحَ } فكلام تابع لقوله { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } على سبيل الاستطراد وليس من جواب القسم في شيء { مَن زَكَّـٰهَا } طهرها الله وأصلحها وجعلها زاكية { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } أغواها الله ، قال عكرمة : أفلحت نفس زكاها الله وخابت نفس أغواها الله . ويجوز أن تكون التدسية والتطهير فعل العبد ، والتدسية : النقص والإخفاء بالفجور وأصل دسّى دسس ، والياء بدل من السين المكررة . { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } بطغيانها إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم { إِذِ ٱنبَعَثَ } حين قام بعقر الناقة { أَشْقَـٰهَا } أشقى ثمود قدار بن سالف وكان أشقر أزرق قصيراً . و « إذ » منصوب بـ { كَذَّبَتْ } أو بالطغوى { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } صالح عليه السلام { نَاقَةُ ٱللَّهِ } نصب على التحذير أي احذروا عقرها { وَسُقْيَـٰهَا } كقولك : الأسد الأسد { فَكَذَّبُوهُ } فيما حذرهم منه من نزول العذاب إن فعلوا { فَعَقَرُوهَا } أي الناقة أسند الفعل إليهم وإن كان العاقر واحداً لقوله : { فَنَادَوْاْ صَـٰحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } [ القمر : 29 ] . لرضاهم به { فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } أهلكهم هلاك استئصال { بِذَنبِهِمْ } بسبب ذنبهم وهو تكذيبهم الرسول وعقرهم الناقة { فَسَوَّاهَا } فسوى الدمدمة عليهم لم يفلت منها صغيرهم ولا كبيرهم { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـٰهَا } ولا يخاف الله عاقبة هذه الفعلة أي فعل ذلك غير خائف أن تلحقه تبعة من أحد كما يخاف من يعاقب من الملوك ، لأنه فعل في ملكه وملكه { لاَّ يُسْـئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] ، { فَلاَ يَخَافُ } مدني وشامي .