Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-21)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إحدى وعشرون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } المغشي ، أما الشمس من قوله { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا } [ الشمس : 4 ] أو النهار من قوله { يَغْشَىٰ ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } [ الأعراف : 54 ] أو كل شيء يواريه بظلامه من قوله { إِذَا وَقَبَ } [ الفلق : 3 ] { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } ظهر بزوال ظلمة الليل { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } والقادر العظيم القدرة الذي قدر على خق الذكر والأنثى من ماء واحد ، وجواب القسم { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } إن عملكم لمختلف وبيان الاختلاف فيما فصل على أثره { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } حقوق ماله { وَٱتَّقَىٰ } ربه فاجتنب محارمه { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } بالملة الحسنى وهي ملة الإسلام ، أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة ، أو بالكلمة الحسنى وهي لا إله إلا الله { فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } فسنهيئه للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه ربه { وَأَمَّا مَن بَخِلَ } بماله { وَٱسْتَغْنَىٰ } عن ربه فلم يتقه أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } بالإسلام أو الجنة { فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } للخلة المؤدية إلى النار فتكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد ، أو سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر ، وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبتها العسر ، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار . { وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } ولم ينفعه ماله إذا هلك ، وتردى تفعّل من الردى وهو الهلاك ، أو تردى في القبر أو في قعر جهنم أي سقط { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } إن علينا الإرشاد إلى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } فلا يضرنا ضلال من ضل ولا ينفعنا اهتداء من اهتدى ، أو أنهما لنا فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ الطريق { فَأَنذَرْتُكُمْ } خوفتكم { نَاراً تَلَظَّىٰ } تتلهب { لاَ يَصْلَـٰهَا } لا يدخلها للخلود فيها { إِلاَّ ٱلأَشْقَى ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } إلا الكافر الذي كذب الرسل وأعرض عن الإيمان { وَسَيُجَنَّبُهَا } وسيبعد منها { ٱلأَتْقَى } المؤمن { ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ } للفقراء { يَتَزَكَّىٰ } من الزكاء أي يطلب أن يكون عند الله زاكياً لا يريد به رياء ولا سمعة ، أو يتفعل من الزكاة و { يَتَزَكَّىٰ } إن جعلته بدلاً من { يُؤْتَىٰ } فلا محل له لأنه داخل في حكم الصلة ، والصلاة لا محل لها ، وإن جعلته حالاً من الضمير في { يُؤْتَىٰ } فمحله النصب . قال أبو عبيدة : الأشقى بمعنى الشقي وهو الكافر ، والأتقى بمعنى التقي وهو المؤمن لأنه لا يختصر بالصلى أشقى الأشقياء ، ولا بالنجاة أتقى الأتقياء ، وإن زعمت أنه نكر النار فأراد ناراً مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله : { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } ، لأن التقي يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة ، وقيل : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين ، فأريد أن يبالغ في صفتيها ، فقيل { ٱلأَشْقَى } وجعل مختصاً بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له ، وقيل الأتقى وجعل مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له ، وقيل : هما أبو جهل وأبو بكر . وفيه بطلان زعم المرجئة لأنهم يقولون لا يدخل النار إلا كافر { وَمَا لاِحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تُجْزَىٰ إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِ } أي وما لأحد عند الله نعمة يجازيه بها إلا أن يفعل فعلا يبتغي به وجه ربه فيجازيه عليه { ٱلأَعْلَىٰ } هو الرفيع بسلطانه المنيع في شأنه وبرهانه ، ولم يرد به العلو من حيث المكان فذا آية الحدثان { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } موعد بالثواب الذي يرضيه ويقرّ عينه وهو كقوله تعالى لنبيه عليه السلام : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 5 ] .