Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 101, Ayat: 1-11)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزّ وجلّ : { القارعة } أصل القرع الصّوت الشّديد ، ومنه قوارع الدّهر أي شدائده ، والقارعة من أسماء القيامة . سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بالفزع ، والشدائد وقيل سميت قارعة بصوت إسرافيل لأنه إذا نفخ في الصور مات جميع الخلائق من شدة صوت نفخته ، { ما القارعة } تهويل وتعظيم ، والمعنى أنها فاقت القوارع في الهول والشّدة { وما أدراك ما القارعة } معناه لا علم لك بكنهها لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها فهم أحد وكيفما قدرت أمرها فهي أعظم من ذلك { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } الفراش هذه الطير التي تراها تتهافت في النار سميت بذلك لفرشها ، وانتشارها ، وإنما شبه الخلق عند البعث بالفراش ، لأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة . بل كل واحدة تذهب إلى غير جهة الأخرى ، فدل بهذا التشبيه على أن الخلق في البعث يتفرقون ، فيذهب كل واحد إلى غير جهة الآخر ، والمبثوث المتفرق ، وشبههم أيضاً بالجراد فقال : كأنهم جراد منتشر وإنما شبههم بالجراد لكثرتهم قال الفراء : كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً فشبه الناس عند البعث بالجراد لكثرتهم بموج بعضهم في بعض ، ويركب بعضهم بعضاً من شدة الهول . { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } أي كالصّوف المندوف ، وذلك لأنها تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير كالصّوف المتطاير عند الندف ، وإنما ضم بين حال الناس وحال الجبال ، كأنه تعالى نبه على تأثير تلك القارعة في الجبال العظيمة الصّلدة الصّلبة حتى تصير كالعهن المنفوش ، فكيف حال الإنسان الضّعيف عند سماع صوت القارعة ثم لما ذكر حال القيامة قسم الخلق على قسمين فقال تعالى : { فأما من ثقلت موازينه } يعني رجحت موازين حسناته قيل هو جمع موزون ، وهو العمل الذي له قدر وخطر عند الله تعالى ، وقيل هو جمع ميزان وهو الذي له لسان وكفتان توزن فيه الأعمال فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان ، فإن رجحت فالجنة له ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فتخف ميزانه ، فيدخل النار ، وقيل إنما توزن أعمال المؤمنين فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار ، فيقتص منه على قدرها ثم يخرج منها ، فيدخل الجنة أو يعفو الله عنه بكرمه ، فيدخل الجنة بفضل الله وكرمه ، ورحمته ، وأما الكافرون فقد قال : في حقهم { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } [ الكهف : 105 ] روى عن أبي بكر الصّديق أنه قال : إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم الحق في دار الدّنيا ، وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدّنيا وخفته عليهم ، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً . قوله تعالى : { فهو في عيشة راضية } أي مرضية في الجنة ، وقيل في عيشة ذات رضا يرضاها صاحبها { وأما من خفت موازينه } أي رجحت سيئاته على حسناته { فأمه هاوية } أي مسكنة النّار سمي المسكن أمّاً لأن الأصل في السكون الأمهات ، وقيل معناه فأم رأسه هاوية في النّار ، والهاوية اسم من أسماء النار ، وهي المهواة التي لا يدرك قعرها فيهوون فيها على رؤوسهم ، وقيل كان الرجل إذا وقع في أمر شديد يقال هوت أمه أي هلكت حزناً وثكلاً { وما أدراك ما هيه } يعني الهاوية ثم فسرها فقال { نار حامية } أي حارة قد انتهى حرها نعوذ بالله وعظمته منها والله سبحانه وتعالى أعلم .