Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 103, Ayat: 1-3)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { والعصر } قال ابن عباس : هو الدّهر قيل أقسم الله به لما فيه من العبر ، والعجائب للنّاظر وقد ورد في الحديث " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " وذلك لأنهم كانوا يضيفون النّوائب والنّوازل إلى الدهر ، فأقسم به تنبيهاً على شرفه وأن الله هو المؤثر فيه فما حصل فيه من النّوائب والنّوازل كان بقضاء الله وقدره ، وقيل تقديره ورب العصر ، وقيل أراد بالعصر اللّيل والنّهار لأنهما يقال لهما العصران ، فنبه على شرف الليل والنهار لأنهما خزانتان لأعمال العباد ، وقيل أراد بالعصر آخر طرفي النهار أقسم بالعشى كما أقسم بالضّحى ، وقيل أراد صلاة العصر أقسم بها لشرفها ولأنها الصّلاة الوسطى في قول بدليل قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة : 238 ] لما قيل هي صلاة العصر والذي في مصحف عائشة رضي الله عنها وحفصة والصّلاة الوسطى صلاة العصر وفي الصحيحين " شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر " وقال صلى الله عليه وسلم " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " ، وقيل أراد بالعصر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسم بزمانه كما أقسم بمكانه في قوله { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد } [ البلد : 1 - 2 ] نبه بذلك على أنه زمانه أفضل الأزمان وأشرفها ، وجواب القسم قوله تعالى : { إن الإنسان لفي خسر } أي لفي خسران ونقصان قيل أراد بالإنسان جنس الإنسان بدليل قولهم كثر الدرهم في أيدي الناس أي الدرهم وذلك لأن الإنسان لا ينفك عن خسران ، لأن الخسران هو تضييع عمره وذلك لأن كل ساعة تمر من عمر الإنسان إما أن تكون تلك السّاعة في طاعة أو معصية ، فإن كانت في معصية فهو الخسران المبين الظاهر وإن كانت في طاعة ، فلعل غيرها أفضل وهو قادر على الإتيان بها فكان فعل غير الأفضل تضييعاً وخسراناً ، فبان بذلك أنه لا ينفك أحد من خسران ، وقيل إن سعادة الإنسان في طلب الآخرة وحبها والإعراض عن الدّنيا ثم إن الأسباب الداعية إلى حب الآخرة خفية ، والأسباب الدّاعية إلى حب الدّنيا ظاهرة ، فلهذا السبب كان أكثر الناس مشتغلين بحب الدّنيا مستغرقين في طلبها ، فكانوا في خسار وبوار قد أهلكوا أنفسهم بتضييع أعمارهم ، وقيل أراد بالإنسان الكافر بدليل أنه استثنى المؤمنين فقال تعالى : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات } يعني فإنهم ليسوا في خسر ، والمعنى أن كل ما مر من عمر الإنسان في طاعة الله تعالى فهو في صلاح وخير وما كان بضده فهو في خسر وفساد وهلاك . { وتواصوا } أي أوصى بعض المؤمنين بعضاً { بالحق } يعني بالقرآن والعمل بما فيه ، وقيل بالإيمان والتّوحيد { وتواصوا بالصبر } أي على أداء الفرائض وإقامة أمر الله وحدوده ، وقيل أراد أن الإنسان إذا عمر في الدّنيا وهرم لفي نقص وتراجع إلا الذين آمنوا ، وعملوا الصّالحات فإنهم تكتب أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم وهي مثل قوله { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم أجر غير ممنون } [ التين : 4 - 6 ] والله سبحانه وتعالى أعلم .