Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 107, Ayat: 2-7)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فذلك الذي يدع اليتيم } ولفظ أرأيت استفهام ، والمراد به المبالغة في التّعجب من حال هذا المكذب بالدّين وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل هو خطاب لكل واحد ، والمعنى أرأيت يا أيها الإنسان أو يا أيّها العاقل هذا الذي يكذب بالدين بعد ظهور دلائله ، ووضوح بيانه ، فكيف يليق به ذلك الذي يدع اليتيم ، أي يقهره ، ويدفعه عن حقه ، والدع الدفع بعنف ، وجفوة ، والمعنى أنه يدفعه عن حقه ، وماله بالظلم ، وقيل يترك المواساة له وإن لم تكن المواساة واجبة ، وقيل يزجره ، ويضربه ، ويستخف به ، وقرىء يدعو بالتخفيف ، أي يدعوه ليستخدمه قهراً واستطالة . { ولا يحض على طعام المسكين } أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه يكذب بالجزاء ، وهذا غاية البخل ، لأنه يبخل بماله وبمال غيره بالإطعام . قوله تعالى : { فويل للمصلين } يعني المنافقين ، ثم نعتهم فقال تعالى : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } روى البغوي بسنده عن سعد قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال إضاعة الوقت " وقال ابن عباس : هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس . ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم لقوله تعالى { الذين هم يراؤون } وقال تعالى في وصف المنافقين { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس } [ النساء : 142 ] ، وقيل ساه عنها لا يبالي صلى أو لم يصل ، وقيل لا يرجون لها ثواباً إن صلوا ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوا ، وقيل غافلون عنها ويتهاونون بها ، وقيل هم الذين إن صلوا صلوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عليها وقيل هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها ، ولا سجودها ، وقيل لما قال تعالى عن صلاتهم ساهون بلفظة عن علم أنها في المنافقين ، والمؤمن قد يسهو في صلاته والفرق بين السهوين أن سهو المنافق هو أن لا يتذكرها ، ويكون فارغاً عنها ، والمؤمن إذا سها في صلاته تداركه في الحال ، وجبره بسجود السهو فظهر الفرق بين السّهوين ، وقيل السّهو عن الصّلاة هو أن يبقى ناسياً لذكر الله في جميع أجزاء الصّلاة ، وهذا لا يصدر إلا من المنافق الذي يعتقد أنه لا فائدة في الصّلاة ، فأما المؤمن الذي يعتقد فائدة صلاته ، وأنها عليه واجبة ، ويرجو الثواب على فعلها ، ويخاف العقاب على تركها ، فقد يحصل له سهو في الصّلاة يعني أن يصير ساهياً في بعض أجزاء الصّلاة بسبب وارد يرد عليه بوسوسة الشّيطان أو حديث النّفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه أحد ، ثم يذهب ذلك الوارد عنه ، فثبت بهذا الفرق أن السّهو عن الصّلاة من أفعال المنافق والسّهو في الصّلاة من أفعال المؤمن . { الذين هم يراؤون } يعني يتركون الصّلاة في السّر ويصلونها في العلانية ، والفرق بين المنافق ، والمرائي أن المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان ، والمرائي يظهر الأعمال مع زيادة الخشوع ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدّين والصّلاح أما من يظهر النّوافل ليقتدى به ويأمن على نفسه من الرّياء ، فلا بأس بذلك وليس بمراء ثم وصفهم بالبخل . فقال تعالى : { ويمنعون الماعون } روي عن علي أنه قال هي الزكاة ، وهو قول ابن عمر والحسن ، وقتادة ، والضحاك ووجه ذلك أن الله تعالى ذكرها بعد الصلاة فذمهم على ترك الصّلاة ومنع الزكاة ، وقال ابن مسعود : الماعون الفاس والدلو والقدر ، وأشباه ذلك ، وهي رواية عن ابن عباس ، ويدل عليه ما روي عنه قال كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدّلو ، والقدر ، أخرجه أبو داود ، وقال مجاهد : الماعون العارية وقال عكرمة : الماعون أعلاه الزكاة المفروضة ، وأدناه عارية المتاع ، وقال محمد بن كعب القرظي : الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم وقيل أصل الماعون من القلة فسمي الزّكاة والصّدقة ، والمعروف ماعوناً لأنه قليل من كثير ، وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء ، والملح ، والنار ، ويلتحق بذلك البئر ، والتنور في البيت فلا يمنع جيرانه من الانتفاع بهما ، ومعنى الآية الزجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة ، فإن البخل بها في نهاية البخل قال العلماء ويستحب أن يستكثر الرجل في بيته مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ويتفضل عليهم ولا يقتصر على الواجب ، والله أعلم .