Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 112, Ayat: 1-4)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { قل هو الله أحد } عن أبي بن كعب " أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك ، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد } والصّمد الذي لم يلد ، ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله لا يموت ولا يورث ، ولم يكن له كفواً أحد . قال لم يكن له شبيه ، ولا عديل ، وليس كمثله شيء " أخرجه التّرمذي وقال : وقد روي عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم ، فقالوا انسب لنا ربك ، فأتاه جبريل بهذه السّورة { قل هو الله أحد } وذكر نحوه ، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب ، وهذا أصح وقال ابن عباس " أن عامر بن الطفيل ، وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر : إلام تدعونا يا محمد قال إلى الله قال صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة ، أم من حديد ، أم من خشب ، فنزلت هذه السّورة ، وأهلك الله أربد بالصاعقة وعامر بالطاعون " ، وقد تقدم ذكرهما في سورة الرّعد ، وقيل جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك ، فإن الله تعالى أنزل نعته في التوراة ، فأخبرنا من أي شيء هو ، وهل يأكل ويشرب ، وممن ورث الربوبية ، ولمن يورثها ، فأنزل الله هذه السّورة { قل هو الله أحد } يعني الذي سألتموني عنه هو الله الواحد في الألوهية ، والرّبوبية الموصوف بصفات الكمال والعظمة المنفرد عن الشبه ، والمثل والنظير ، وقيل لا يوصف أحد بالأحدية غير الله تعالى فلا يقال رجل أحد ، ودرهم أحد بل أحد صفة من صفات الله تعالى . استأثر بها فلا يشركه فيها أحد ، والفرق بين الواحد ، والأحد أن الواحد يدخل في الأحد ، ولا ينعكس ، وقيل إن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي تقول في الإثبات رأيت رجلاً واحداً ، وفي النفي ما رأيت أحداً ، فتفيد العموم ، وقيل الواحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهيه أحد ، والأحد هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد { الله الصمد } قال ابن عباس : الصمد الذي لا جوف له وبه قال جماعة من المفسرين ، ووجه ذلك من حيث اللّغة أن الصّمد الشيء المصمد الصّلب الذي ليس فيه رطوبة ، ولا رخاوة ، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد . فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام ، ويتعالى الله جلّ وعزّ عن صفات الجسمية ، وقيل وجه هذا القول إن الصمد الذي ليس بأجوف ، معناه هو الذي لا يأكل ، ولا يشرب ، وهو الغني عن كل شيء ، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال ، والقصد بقوله الله الصّمد التّنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام } [ المائدة : 75 ] وقيل الصّمد الذي ليس بأجوف شيئان أحدهما دون الإنسان ، وهو سائر الجمادات الصّلبة والثاني أشرف من الإنسان وأعلى منه وهو البارىء جل وعز وقال أبي بن كعب الصمد الذي لم يلد ، ولم يولد لأن من يولد سيموت ، ومن يموت يورث منه . وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : الصّمد هو السّيد الذي انتهى سؤدده ، وهي رواية عن ابن عباس ، أيضاً قال هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد ، وقيل هو السيد المقصود في جميع الحوائج المرغوب إليه في الرغائب المستعان به عند المصائب ، وتفريج الكرب وقيل هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتلك دالة على أنه المتناهي في السودد والشرف ، والعلو والعظمة ، والكمال والكرم والإحسان ، وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه ، وقيل الصمد الذي ليس فوقه أحد ، وهو قول علي ، وقيل هو الذي لا تعتريه الآفات ولا تغيره الأوقات وقيل هو الذي لا عيب فيه وقيل الصمد هو الأول الذي ليس له زوال والآخر الذي ليس لملكه انتقال . والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه لأنه محتمل له ، فعلى هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شيء وأنه اسم خاص بالله تعالى انفرد به له الأسماء الحسنى والصّفات العليا { ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير } [ الشورىٰ : 11 ] . قوله عز وجل : { لم يلد ولم يولد } وذلك أن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله ، وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النّصارى المسيح ابن الله فكذبهم الله عز وجل ، ونفى عن نفسه ما قالوا بقوله { لم يلد } يعني كما ولد عيسى ، وعزير ، { ولم يولد } معناه أن من ولد كان له والد فنفى عنه إحاطة النسب من جميع الجهات ، فهو الأول الذي لم يتقدمه ، والد كان عنه وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه ، ومن كان كذلك فهو الذي لم يكن له كفواً أحد ، أي ليس له من خلقه مثل ، ولا نظير ولا شبيه فنفى عنه . بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } العديل والنّظير ، والصّاحبة والولد خ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ، ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إيّاي فقوله لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ، ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " والله سبحانه وتعالى أعلم .