Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 33-38)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { هل ينظرون } يعني هؤلاء الذين أشركوا بالله وجحدوا نبوتك يا محمد { إلا أن تأتيهم الملائكة } يعني لقبض أرواحهم { أو يأتي أمر ربك } يعني بالعذاب في الدنيا وهو عذاب الاستئصال . وقيل : المراد به يوم القيامة { كذلك فعل الذين من قبلهم } يعني من الكفر والتكذيب { وما ظلمهم الله } يعني بتعذيبه إياهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } يعني باكتسابهم المعاصي ، والكفر والأعمال القبيحة الخبيثة ، { فأصابهم سيئات ما عملوا } يعني فأصابهم عقوبات ما اكتسبوا من الأعمال الخبيثة { وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } والمعنى ونزل بهم جزاء استهزائهم { وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا } يعني أن مشركي مكة قالوا هذا على طريق الاستهزاء . والحاصل أنهم تمسكوا بهذا القول في إنكار النبوة ، فقالوا : لو شاء الله منا الإيمان لحصل جئت أو لم تجىء ولو شاء الله منا الكفر لحصل جئت أو لم تجىء . وإذا كان كذلك فالكل من الله ، فلا فائدة في بعثة رسل إلى الأمم والجواب عن هذا أنهم لما قالوا : إن الكل من الله فكانت بعثة الرسل عبثاً كان هذا اعتراضاً على الله تعالى ، وهو جار مجرى طلب العلة في أحكام الله ، وفي أفعاله وهو باطل لأن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلا اعتراض لأحد عليه في أحكامه وأفعاله ، ولا يجوز لأحد أن يقول لو فعلت هذا ، ولم لم تفعل هذا كان في حكم الله وسنته في عباده إرسال الرسل إليهم ليأمروهم بعبادة الله تعالى ، وينهوهم عن عبادة غيره وأن الهداية والإضلال إليه فمن هداه فهو المهتدي ، ومن أضله فهو الضال وهذه سنة الله في عباده أنه يأمر الكل بالإيمان به وينهاهم عن الكفر . ثم إنه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إلى الإيمان ويضلّ من يشاء فلا اعتراض لأحد عليه . ولما كانت سنة الله قديمة ببعثة الرسل إلى الأمم الكافرة المكذبة كان قول هؤلاء لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا جهلاً منهم ، لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثة الرسل وهذا الاعتقاد باطل فلا جرم استحقوا عليه الذم والوعيد . وأما قوله تعالى { ولا حرمنا من دونه من شيء } يعني الوصيلة والسائبة والحام . والمعنى : فلولا أن الله رضيها لنا لغير ذلك ولهدانا إلى غيره { كذلك فعل الذين من قبلهم } يعني أن من تقدم هؤلاء من كفار مكة ومن الأمم الماضية كانوا على هذه الطريقة ، وهذا الفعل الخبيث فإنكار بعثة الرسل كان قديماً في الأمم الخالية { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } يعني ليس إليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } يعني ليس إليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً } يعني كما بعثنا فيكم محمداً صلى الله عليه وسلم { أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } يعني أن الرسل كانوا يأمرونهم بأن يعبدوا الله وأن يجتنبوا عبادة الطاغوت ، وهو اسم كل معبود من دون الله { فمنهم } يعني فمن الأمم الذين جاءتهم الرسل { من هدى الله } يعني هداه الله إلى الإيمان به وتصديق رسله { ومنهم من حقت عليه الضلالة } يعني ، ومن الأمم من وجبت عليه الضلالة بالقضاء السابق في الأزل حتى مات على الكفر والضلال ، وفي هذه الآية أبين دليل على أن الهادي ، والمضل هو الله تعالى لأنه المتصرف في عباده فيهدي من يشاء ويضل من يشاء لا اعتراض لأحد عليه بما حكم به في سابق علمه { فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } يعني فسيروا في الأرض معتبرين متفكرين لتعرفوا مآل من كذب الرسل ، وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك ، ولتعرفوا أن العذاب نازل بكم إن أصررتم على الكفر والتكذيب كما نزل بهم . قوله سبحانه وتعالى { إن تحرص على هداهم } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء ، وإيمانهم وتجتهد كل الاجتهاد { فإن الله لا يهدي من يضل } قرىء بفتح الياء وكسر الدال يعني لا يهدي الله من أضله ، وقيل : معناه لا يهتدي من أضله الله وقرىء بضم الياء ، وفتح الدال ومعناه من أضله الله فلا هادي له { وما لهم من ناصرين } أي مانعين يمنعونهم من العذاب { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } قال ابن الجوزي : سبب نزولها أن رجلاً من المسلمين كان له على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به المسلم : والذي أرجوه بعد الموت . فقال المشرك : إنك لتزعم أنك تبعث بعد الموت ، وأقسم بالله لا يبعث الله من يموت فنزلت هذه الآية قاله أبو العالية . وتقرير الشبهة التي حصلت للمشركين في إنكار البعث بعد الموت أن الإنسان ليس هو ، إلا هذه البنية المخصوصة ، فإذا مات وتفرقت أجزاؤه وبلي امتنع عوده بعينه لأن الشيء إذا عدم فقد فني ، ولم يبق له ذات ولا حقيقة بعد فنائه وعدمه ، فهذا هو أصل شبهتهم ومعتقدهم في إنكار البعث بعد الموت ، فذلك قوله تعالى وأقسموا بالله جهد أيمانهم { لا يبعث الله من يموت } فرد الله عليهم ذلك ، وكذبهم في قولهم فقال تعالى { بلى } يعني بلى يبعثهم بعد الموت لأن لفظة بلى إثبات لما بعد النفي . والجواب عن شبهتهم أن الله سبحانه وتعالى ، خلق الإنسان وأوجده من العدم ولم يك شيئاً فالذي أوجده بقدرته ثم أعدمه قادر على إيجاده بعد إعدامه لأن النشأة الثانية أهون من الأولى { وعداً عليه حقاً } يعني أن الذي وعد به من البعث بعد الموت وعد حق لا خلف فيه { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } يعني لايفهمون كيف يكون ذلك العود والله سبحانه وتعالى ، قادر على كل شيء .