Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 98-102)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه غيره من أمته ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان غير محتاج إلى الاستعاذة ، وقد أمر بها فغيره أولى بذلك ، ولما كان الشيطان ساعياً في إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم وكانت الاستعاذة بالله مانعة من ذلك ، فلهذا السبب أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالاستعاذة عند القراءة ، حتى تكون مصونة من وسواس الشيطان عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة ، قال عمر : ولا أدري أي صلاة هي . قال : الله أكبر كبيراً ثلاثاً والحمد لله كثيراً ثلاثاً وسبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخته ونفثته وهمزته . قال : نفخته الكبر ونفثته السحر وهمزته المونة أخرجه أبو داود . المونة الجنون والفاء في قوله فاستعذ بالله للتعقيب . فظاهر لفظ الآية يدل على أن الاستعاذة بعد القراءة ، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وهو قول أبي هريرة وإليه ذهب مالك وجماعة وداود الظاهري . قالوا : لأن قارىء القرآن يستحق ثواباً عظيماً وربما حصلت الوساوس في قلب القارىء هل حصل له ذلك الثواب أم لا ؟ فإذا استعاذ بعد القراءة اندفعت تلك الوساوس وبقي الثواب مخلصاً فأما مذهب الأكثرين من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من الأئمة وفقهاء الأمصار ، فقد اتفقوا على أن الاستعاذة مقدمة على القراءة ، قالوا : ومعنى الآية إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله ومثله قوله سبحانه وتعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } [ المائدة : 6 ] الخ ومثله من الكلام إذا أردت أن تأكل فقل : بسم الله وإذا أردت أن تسافر فتأهب ، وأيضاً فإن الوسوسة إنما تحصل في أثناء القراءة فتقديم الاستعاذة على القراءة ، لتذهب الوسوسة عنه أولى من تأخيرها عن وقت الحاجة إليها ، ومذهب عطاء أنه تجب الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت في الصلاة أو في غيرها ، واتفق سائر الفقهاء على أن الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت في الصلاة أو في غيرها ، واتفق سائر الفقهاء على أن الاستعاذة سنة في الصلاة وغيرها ، وقد تقدمت هذه المسألة والخلاف فيها في أول سورة الفاتحة ، والاستعاذة : الاعتصام بالله والالتجاء إليه من شر الشيطان ووسوسته . والمراد من الشيطان إبليس . وقيل : هو اسم جنس يطلق على المردة من الشياطين ، لأن لهم قدرة على إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم بإقدار الله إياهم على ذلك { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } لما أمر الله رسوله صلى الله عليه سلم بالاستعاذة من الشيطان فكأن ذلك أوهم أن له سلطان يعني ليس له قدرة ، ولا ولاية على الذين آمنوا ، وعلى ربهم يتوكلون ، قال سفيان ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر ويظهر من هذا أن الاستعاذة ، إنما تفيد إذا حضر بقلب الإنسان كونه ضعيفاً ، وأنه لا يمكنه التحفظ من وسوسة الشيطان إلا بعصمة الله ولهذا قال المحققون : لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله ثم قال تعالى { إنما سلطانه على الذين يتولونه } يعني يطيعونه ويدخلون في ولايته ، يقال : توليته إذا أطعته وتوليت عنه إذا أعرضت عنه { والذين هم به مشركون } يعني بالله ، وقيل : الضمير في به راجع إلى الشيطان ، والمعنى هم من أهله مشركون بالله وقوله سبحانه وتعالى { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل } وذلك أن المشركين من أهل مكة قالوا : إن محمداً يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً ، ماهو إلا مفترٍ يتقوله من تلقاء نفسه فأنزل الله هذه الآية . والمعنى : وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكماً آخر والله أعلم بما ينزل اعتراض دخل في الكلام ، والمعنى والله أعلم بما ينزل من الناسخ وبما هو أصلح لخلقه ، وبما يغير ويبدل من أحكامه أي هو أعلم بجميع ذلك مما هو من مصالح عباده ، وهذا نوع من توبيخ وتقريع للكفار على قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله تعالى { قالوا إنما أنت مفتر } أي تختلقه من عندك ، والمعنى : إذا كان الله تعالى أعلم بما ينزل فما بالهم ينسبون محمداً إلى الافتراء والكذب لأجل التبديل والنسخ ؟ وإنما فائدة ذلك ترجع إلى مصالح العباد ، كما يقال : إن الطبيب يأمر المريض بشرب دواء ثم بعد ذلك ينهاه عنه ويأمر بغيره لما يرى فيه من المصلحة { بل أكثرهم لا يعلمون } يعني لا يعلمون فائدة الناسخ وتبديل النسوخ { قل } أي قل لهم يا محمد { نزله } يعني القرآن { روح القدس } يعني جبريل صلى الله عليه وسلم أضيف إلى القدس وهو الطهر كما يقال حاتم الجود وطلحة الخير ، والمعنى الروح المقدس المطهر { من ربك } يعني أن جبريل نزل بالقرآن من ربك يا محمد { بالحق ليثبت الذين آمنوا } يعني ليثبت بالقرآن قلوب المؤمنين فيزدادوا إيماناً ويقيناً { وهدى وبشرى } يعني وهو هدى وبشرى { للمسلمين } .