Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 82-84)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات } . فإن قلت : العمل الصالح خارج عن اسم الإيمان لأنه تعالى قال : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } فلو دل الإيمان على العمل الصالح لكان ذكر العمل الصالح بعد الإيمان تكراراً . قلت : أجاب بعضهم بأن الإيمان وإن كان يدخل فيه جميع الأعمال الصالحة إلا أن قوله : آمن لا يفيد إلا أنه فعل فعلاً واحداً من أفعال الإيمان فإذا حسن أن يقول : والذين آمنوا وعملوا الصالحات وقيل : إن قوله آمنوا يفيد الماضي وعملوا الصالحات يفيد المستقبل فكأنه تعالى قال آمنوا أولاً ثم داوموا عليه آخراً ويدخل فيه جميع الأعمال الصالحات { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } قوله عز وجل : { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل } يعني في التوراة . والميثاق العهد الشديد { لا تعبدون إلا الله } أي أمر الله تعالى بعبادته فيدخل تحته النهي عن عبادة غيره لأن الله تعالى هو المستحق للعبادة لا غيره { وبالوالدين إحساناً } أي براً بهما ورحمة لهما ونزولاً عند أمرهما فيما لا يخالف أمر الله تعالى ويوصل إليهما ما يحتاجان إليه ، ولا يؤذيهما البتة وإن كانا كافرين بل يجب عليه الإحسان إليهما ومن الإحسان إليهما أن يدعوهما إلى الإيمان بالرفق واللين ، وكذا إن كانا فاسقين يأمرهما بالمعروف بالرفق ، واللين من غير عنف وإنما عطف بر الوالدين على الأمر بعبادته ، لأن شكر المنعم واجب ، ولله على عبده أعظم النعم لأنه هو الذي خلقه وأوجده بعد العدم فيجب تقديم شكره على شكر غيره ، ثم إن للوالدين على الولد نعمة عظيمة ، لأنهما السبب في كون الولد ووجوده ثم إن لهما عليه حق التربية أيضاً فيجب شكرهما ثانياً { وذي القربى } أي القرابة لأن حق القرابة تابع لحق الوالدين والإحسان إليهم : إنما هو بواسطة الوالدين فلهذا حسن عطف القرابة على الوالدين { واليتامى } جمع يتيم وهو الذي مات أبوه وهو طفل صغير ، فإذا بلغ الحلم زال عنه اليتم وتجب رعاية حقوق اليتيم لثلاثة أمور : لصغره ويتمه ولخلوه عمن يقوم بمصلحته ، إذ لا يقدر هو أن ينتفع بنفسه ، ولا يقوم بحوائجه { والمساكين } جمع مسكين وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وإنما تأخرت درجة المساكين عن اليتامى ، لأنه قد يمكن أن ينتفع بنفسه وينفع غيره بالخدمة { وقولوا للناس حسناً } فيه وجهان : أحدهما : أنه خطاب للحاضرين من اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا عدل من الغيبة إلى الحضور ، والمعنى قولوا : حقاً وصدقاً في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فأصدقوه وبينوا صفته ولا تكتموها قاله ابن عباس . الوجه الثاني إن المخاطبين به هم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام ، وأخذ عليهم الميثاق وإنما عدل من الغيبة إلى الحضور على طريق الالتفات كقوله : { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم } وقيل : فيه حذف تقديره وقلنا لهم : في الميثاق وقولوا : للناس حسناً ومعناه مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وقيل هو اللين في القول والعشرة وحسن الخلق { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ولما أمرهم الله تعالى بهذه التكاليف الثمانية لتكون لهم المنزلة عنده بما التزموا به أخبر عنهم أنهم ما وفوا بذلك بقوله تعالى : { ثم توليتم } أي أعرضتم عن العهد { إلا قليلاً منكم } يعني من الذين آمنوا كعبدالله بن سلام وأصحابه فإنهم وفوا بالعهد { وأنتم معرضون } أي كإعراض آبائكم . قوله عز وجل : { وإذ أخذنا ميثاقكم } قيل : هو خطاب لمن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود وقيل : هو خطاب لآبائهم وفيه تقريع لهم { لا تسفكون } أي لا تريقون { دماءكم } أي لا يسفك بعضكم دم بعض وقيل : معناه لا تسفكوا دماء غيركم فيسفك دماءكم فكأنكم أنتم سفكتم دماء أنفسكم { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } أي لا يخرج بعضكم بعضاً من داره ، وقيل : لا تفعلوا شيئاً فتخرجوا بسببه من دياركم { ثم أقررتم } أي بهذا العهد أنه حق { وأنتم تشهدون } يعني أنتم يا معشر اليهود اليوم تشهدون على ذلك .