Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 24-33)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { أم اتخذوا من دونه آلهة } لما أبطل الله تعالى أن تكون آلهة سواه ، بقوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا أنكر عليهم اتخاذهم الآلهة فقال أم اتخذوا من دونه آلهة وهو استفهام إنكار وتوبيخ { قل هاتوا برهانكم } أي حجتكم على ذلك ثم قال مستأنفاً { هذا } يعني القرآن { ذكر من معي } يعني فيه خبر من معي على ديني ومن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية { وذكر } يعني خبر { من قبلي } أي من الأمم السالفة وما فعل بهم في الدنيا وما يفعل بهم في الآخرة . وقال ابن عباس ذكر من معي القرآن وذكر من قبلي التوراة والإنجيل ، والمعنى راجعوا القرآن والتوراة والإنجيل وسائر الكتب ، هل تجدون فيها أن الله اتخذ ولداً أو كان معه آلهة { بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون } قوله عز وجل : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } أي فوحدوني ، وقيل لما توجهت الحجة عليهم ، ذمهم على جهلهم بمواضع الحق ، فقال بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ، أي عن التأمل والتفكر وما يجب عليهم من الإيمان بأنه لا إله إلا هو . قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله { سبحانه } نزه نفسه عما قالوا . { بل عباد } أي هم عباد يعني الملائكة { مكرمون } أي أكرمهم الله واصطفاهم { لا يسبقونه } أي لا يتقدمونه { بالقول } أي يتكلمون إلا بما يأمرهم به { وهم بأمره يعملون } المعنى أنهم لا يخالفونه قولاً ولا عملاً { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } أي ما عملوا وما هم عاملون وقيل ما كان قبل خلقهم وما يكون بعد خلقهم { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } قال ابن عباس إلا لمن قال لا إله إلا الله وقيل إلا لمن رضى الله تعالى عنه { وهم من خشيته مشفقون } أي خائفون وجلون لا يأمنون مكره { ومن يقل منهم إني إله من دونه } قيل عنى به إبليس حيث دعا إلى عبادة نفسه فإن أحداً من الملائكة لم يقل إني إله من دون الله { فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين } أي الواضعين الإلهية والعبادة في غير موضعها . قوله عزّ وجلّ { أولم ير الذين كفروا } أي ألم يعلم الذين كفروا { أن السموات والأرض كانتا رتقاً } قال ابن عباس كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين { ففتقناهما } أي فصلنا بينهما بالهواء . قال كعب : خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض ، ثم خلق ريحاً بوسطهما ففتحهما بها ، وقيل كانت السموات مرتتقة طبقة واحدة ، ففتقها وجعلها سبع سموات وكذلك الأرض ، وقيل كانت السماء رتقاً لا تمطر ، والأرض رتقاً لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات { وجعلنا من الماء كل شيء حي } أي وأحيينا بالماء الذي ينزل من السماء كل شيء ، من الحيوان ويدخل فيه النبات والشجر ، وذلك لأنه سبب لحياة كل شيء ، وقال المفسرون : معناه أن كل شيء حي فهو مخلوق من الماء وقيل يعني النطفة . فإن قلت قد خلق الله بعض ما هو حي من غير الماء كآدم وعيسى والملائكة والجان . قلت خرج هذا الأمر مخرج الأغلب والأكثر يعني أن أكثر ما على وجه الأرض مخلوق من الماء أو بقاؤه بالماء { أفلا يؤمنون } أي أفلا يصدقون { وجعلنا في الأرض رواسي } أي جبالاً ثوابت { أن تميد بهم } أي لئلا تميد بهم ، قيل إن الأرض بسطت على الماء فكانت تتحرك كما تتحرك السفينة في الماء فأرساها الله فأثبتها بالجبال { وجعلنا فيها } أي في الرواسي { فجاجاً } أي طرقاً ومسالك والفج الطريق الواسع بين جبلين { سبلاً } وهو تفسير الفجاج { لعلهم يهتدون } أي إلى مقاصدهم { وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً } أي من أن يسقط ويقع وقيل محفوظاً من الشياطين بالشهب { وهم } يعني الكفار { عن آياتها معرضون } أي عما خلق الله فيها من الشمس والقمر والنجوم ، وكيفية حركاتها في أفلاكها ومطالعها ومغاربها ، والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة القدرة القاهرة ، لا يتفكرون ولا يعتبرون بها { وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس كل في فلك يسبحون } أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء . وإنما قال يسبحون ولم يقل تسبح ، على ما يقال لما لا يعقل لأنه ذكر عنها فعل العقلاء ، وهو السباحة والجري . والفلك مدار النجوم الذي يضمها وهو في كلام العرب كل شيء مستدير ، وجمعه أفلاك وقيل الفلك طاحونة كهيئة فلك المغزل ، يريد أن الذي تجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الرحى ، وقيل الفلك السماء الذي فيه ذلك الكوكب فكل كوكب يجري في السماء الذي قدر فيه وقيل الفلك استدارة السماء ، وقيل الفلك موج مكفوف دون السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم وقال أصحاب الهيئة الأفلاك أجرام صلبة لا ثقيلة ولا خفيفة غير قابلة للخرق والالتئام والنمو والذبول ، والحق أنه لا سبيل إلى معرفة صفة السموات إلا بأخبار الصادق فسبحان الخالق المدبر لخلقه بالحكمة والقدرة الباهرة غير المتناهية .