Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 88-92)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فاستجبنا له ونجيناه من الغم } أي تلك الظلمات { وكذلك ننجي المؤمنين } أي من الكروب إذا دعونا واستغاثوا بنا . فإن قلت قد تمسك بمواضع من هذه القصة من أجاز وقوع الذنب من الأنبياء منها قوله { إذ ذهب مغاضباً } [ الأَنبياء : 87 ] ومنها { فظن أن لن نقدر عليه } [ الأَنبياء : 87 ] ومنها قوله { إني كنت من الظالمين } [ الأَنبياء : 87 ] قلت أما الجواب الكلي فقد اختلفوا في هذه الواقعة هل كانت من قبل الرسالة أم لا ؟ فقال ابن عباس : كانت رسالته بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت بدليل قوله تعالى في الصافات بعد ذكر خروجه { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } [ الصافات : 147 ] فثبت بهذا أن هذه الواقعة كانت قبل النبوة وقد أجاز بعضهم عليه الصغائر قبل النبوة ومنعها بعد النبوة وهو الصحيح . وأما الجواب التفصيلي لقوله إذ ذهب مغاضباً فحمله على أنه لقومه أو للملك أولى بحال الأنبياء وأما قوله { فظن أن لن نقدر عليه } [ الأَنبياء : 87 ] فقد تقدم معناه أي لن نضيق عليه وذلك أن يونس ظن أنه مخير إن شاء أقام وإن شاء خرج . وإن الله تعالى لا يضيق عليه في اختياره وقيل هو من القدر لا من القدرة وأما قوله { إني كنت من الظالمين } [ الأَنبياء : 87 ] فالظلم وضع الشيء في غير موضعه وهذا اعتراف عند بعضهم بذنبه فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربه أو لضعفه عما حمله ، أو لدعائه بالعذاب على قومه وفي هذه الأشياء ترك الأفضل مع قدرته على تحصيله فكان ذلك ظلماً . وقيل كانت رسالته قبل هذه الواقعة بدليل قوله { وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون } [ الصافات : 139 ] فعلى هذا يكون الجواب عن هذه الواقعة ما تقدم من التفصيل والله أعلم . قوله عز وجل { وزكريا إذ نادى ربه } أي دعا ربه فقال { رب لا تذرني فرداً } أي وحيداً لا ولد لي يساعدني وارزقني وارثاً { وأنت خير الوارثين } هو ثناء على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق وأنه الوارث لهم وهذا على سبيل التمثيل والمجاز فهو كقوله وأنت خير الرازقين { فاستجبنا له ووهبنا له يحيى } أي ولداً { وأصلحنا له زوجة } أي جعلناها ولوداً بعد ما كانت عقيماً وقيل كانت سيئة الخلق فأصلحها الله تعالى له بأن رزقها حسن الخلق { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات } يعني الأنبياء المذكورين في هذه السورة . وقيل زكريا وأهل بيته ، والمسارعة في الخيرات من أكبر ما يمدح به المرء لأنها تدل على حرص عظيم في طاعة الله عز وجل { ويدعوننا رغباً ورهباً } يعني إنهم ضموا إلى فعل الطاعات أمرين : أحدهما : الفزغ إلى الله لمكان الرغبة في ثوابه والرهبة من عقابه . والثاني : الخشوع وهو قوله تعالى { وكانوا لنا خاشعين } الخشوع هو الخوف اللازم للقلب فيكون الخاشع هو الحذر الذي لا ينبسط في الأمور خوفاً من الوقوع في الإثم . قوله تعالى { والتي أحصنت فرجها } أي إحصاناً كلياً من الحلال والحرام جميعاً كما قالت { لم يمسسني بشر ولم أك بغياً } [ مريم : 20 ] وهي مريم بنت عمران { فنفخنا فيها من روحنا } أمرنا جبريل حتى نفخ في جيب درعها فخلقنا بذلك النفخ المسيح في بطنها ، وأضاف الروح إليه تشريفاً لعيسى كبيت الله وناقة الله { وجعلناها وابنها آية } أي دلالة { للعالمين } على كمال قدرتنا وعلى خلق ولد من غير أب ، فان قلت هما آيتان فكيف قال آية ؟ . قلت معنى الكلام وجعلنا شأنهما وأمرهما آية واحدة أي ولادتها إياها من غير أب آية . قوله تعالى { إن هذه أمتكم } أي ملتكم ودينكم { أمة واحدة } أي ديناً واحداً وهو الإسلام فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان والأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد ، وجعلت الشريعة أمة لاجتماع أهلها على مقصد واحد { وأنا ربكم فاعبدون } أي لا دين سوى ديني ولا رب لكم غيري فاعبدوني أي وحدوني .