Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 37-40)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ رجال } قيل خص الرجال بالذكر في هذه المساجد ، لأن النساء ليس عليهن حضور المساجد لجمعة ولا جماعة { لا تلهيهم } أي لا تشغلهم { تجارة } وقيل خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل الإنسان به عن الصلوات والطاعات ، وأراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعاً ، لأنه ذكر البيع بعده وقيل التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يده { ولا بيع } أي ولا يشغلهم بيع { عن ذكر الله } أي حضور المساجد لإقامة الصلوات { وإقام الصلاة } يعني إقامة الصلاة في وقتها لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة ، وروي عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم ، ودخلوا المساجد فقال ابن عمر فيهم نزلت هذه الآية { رجال لا تلهيهم تجارة ، ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة } { وإيتاء الزكاة } يعني المفروضة قال ابن عباس إذا حضر ، وقت أداء الزكاة لا يحبسونها { يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } يعني أن هؤلاء الرجال ، وإن بالغوا في ذكر الله والطاعات فإنهم مع ذلك وجلون خائفون لعلمهم بأنهم ما عبدوا الله حق عبادته . قيل : إن القلوب تضطرب من الهول والفزع وتشخص الأبصار . وقيل : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشك إلى اليقين وترفع عن الأبصار الأغطية . وقيل : تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء فتخشى الهلاك وتطمع في النجاة ، وتتقلب الأبصار من هول ذلك اليوم ، من أي ناحية يؤخذ بهم أمن ذات اليمين ، أم من ذات الشمال ومن أي يؤتون كتبهم أمن اليمين أم من قبل الشمال ؟ وقيل : يتقلب القلب في الجوف ، فيرفع إلى الحنجرة فلا ينزل ولا يخرج ويتقلب البصر فيشخص من هول الأمر وشدته { ليجزيهم الله أحسن ما عملوا } يعني أنهم اشتغلوا بذكر الله وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا والمراد بالأحسن الحسنات كلها وهي الطاعات فرضها ونفلها ، وذكر الأحسن تنبيهاً على أنه لا يجازيهم على مساوىء أعمالهم ، بل يغفرها لهم وقيل : إنه سبحانه وتعالى يجزيهم جزاء أحسن من أعالمهم ، على الواحد من عشرة إلى سبعمائة ضعف { ويزيدهم من فضله } يعني أنه سبحانه وتعالى يجزيهم بأحسن أعمالهم ولا يقتصر على ذلك بل يزيدهم من فضله { والله يرزق من يشاء بغير حساب } فيه تنبيه على كمال قدرته وكمال جوده وسعة إحسانه وفضله . قوله تعالى : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة } لما ضرب مثلاً لحال المؤمن وأنه في الدنيا والآخرة في نور ، وأنه فائز بالنعيم المقيم ، أتبعه بضرب مثل لأعمال الكفار وشبهه بالسراب وهو شبه ماء يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري يظنه من رآه ماء ، فإذا قرب منه لم ير شيئاً . والقيعة القاع وهو المنبسط من الأرض وفيه يكون السراب { يحسبه } أي يتوهمه { الظمآن } أي العطشان { ماء حتى إذا جاء } أي جاء ما قدر أنه ماء وقيل : جاء إلى موضع السراب { لم يجده شيئاً } أي لم يجده على ما قدره وظنه ووجه التشبيه أن الذي يأتي به الكافر من أعمال البر ، يعتقد أنه له ثواباً عند الله وليس كذلك فإذا وافى عرصات القيامة لم يجد الثواب الذي كان يظنه ، بل وجد العقاب العظيم والعذاب الأليم فعظمت حسرته ، وتناهى غمه فشبه حاله بحال الظمآن الذي اشتدت حاجته إلى الماء ، فإذا شاهد السراب في البر تعلق قلبه به فإذا جاءه لم يجده شيئاً فكذلك حال الكافر يحسب أن عمله ، نافعه فإذا احتاج إلى عمله لم يجده أغنى عنه شيئاً ولا نفعه { ووجد الله عنده } أي وجد الله بالمرصاد وقيل : قدم على الله { فوفاه حسابه } أي جزاء عمله { والله سريع الحساب } معناه أنه عالم بجميع المعلومات فلا تشغله محاسبة واحد عن واحد . ثم ضرب للكفار مثلاً آخر فقال تعالى { أو كظلمات } أعلم الله سبحانه وتعالى أن أعمال الكفار إن كانت حسنة ، فهي كسراب بقيعة وإن كانت قبيحة فهي كظلمات ، وقيل : معناه إن مثل أعمالهم في فسادها ، وجهالتهم فيها كظلمات { في بحر لجي } أي عميق كثير الماء ولجة البحر معظمه { يغشاه } أي يعلوه { موج من فوقه موج } أي متراكم { من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض } معناه أن البحر اللجي يكون قعره مظلماً جداً بسبب غموره الماء ، فإذا ترادفت الأمواج ازدادت الظلمة فإذا كان فوق الأمواج سحاب بلغت الظلمة النهاية القصوى { إذا أخرج يده لم يكد يراها } أي لم يقرب أن يراها لشدة الظلمة وقيل : معناه لم يرها إلا بعد الجهد وقيل : لما كانت اليد من أقرب شيء يراه الإنسان قال : لم يكد يراها ، ووجه التشبيه أن الله ذكر ثلاثة أنواع من الظلمات : ظلمة البحر وظلمة الأمواج وظلمة السحاب ، وكذلك الكافر له ثلاث ظلمات ظلمة الاعتقاد وظلمة القول وظلمة العمل وقيل : شبه بالبحر اللجي قلبه ، وبالموج ما يتغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة ، وبالسحاب الختم والطبع على قلبه . قال أبيّ بن كعب : الكافر يتقلب في خمس من الظلم كلامه ظلمة وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة في النار { ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور } قال ابن عباس من لم يجعل الله له ديناً وإيماناً ، فلا دين له وقيل من لم يهده الله فلا هادي له قيل نزلت هذه الآية في عتبة بن ربيعة بن أمية ، كان يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح فلما جاء الإسلام كفر وعاند ، والأصح أن الآية عامة في حق جميع الكفار .