Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-4)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { لا أقسم بهذا البلد } تقدم الكلام على قوله لا أقسم في أول سورة القيامة ، والبلد هي مكة في قول جميع المفسرين . { وأنت حل بهذا البلد } أي مقيم به ، نازل فيه ، فكأنه عظّم حرمة مكة من أجل أنه صلى الله عليه وسلم مقيم بها وقيل حل أي حلال ، والمعنى أحلت لك تصنع فيها ما تريد من القتل ، والأسر ، ليس عليك ما على الناس من الإثم في استحلالها ، أحل الله عزّ وجلّ له مكة يوم الفتح حتى قاتل ، وأمر بقتل ابن خطل ، وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومقيس بن صبابة وغيرهما ، وأحل دماء قوم ، وحرم دماء قوم آخرين ، فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ثم قال بعد ذلك إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، ولم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، والمعنى أن الله تعالى لما أقسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها ، وشرفها ، وحرمتها ، ومع ذلك فقد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم ، أنه يحلها له حتى يقاتل فيها ، وأن يفتحها على يده ، فهذا وعد من الله تعالى في الماضي ، وهو مقيم بمكة أن يفتحها عليه في المستقبل بعد الهجرة ، وخروجه منها ، فكان كما وعده ، وقيل في معنى قوله { وأنت حلّ بهذا البلد } ، أي أنهم يحرمون أن يقتلوا به صيداً ، ويستحلون قتلك فيه ، وإخراجك منه . { ووالد وما ولد } يعني آدم وذريته أقسم الله تعالى بمكة لشرفها ، وحرمتها ، وبآدم ، وبالأنبياء والصالحين من ذريته ، لأن الكافر وإن كان من ذريته فلا حرمة له حتى يقسم به ، وجواب القسم قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في كبد } قال ابن عباس : في نصب ، وقيل يكابد مصائب الدنيا ، وشدائد الآخرة ، وعنه أيضاً قال : في شدة من حمله ، وولادته ، ورضاعه ، وفطامه ، وفصاله ، ومعاشه ، وحياته ، وموته وأصل الكبد الشدة ، وقيل لم يخلق الله خلقاً يكابد ، ما يكابد ابن آدم ، وهو مع ذلك أضعف الخلق ، وعن ابن عباس أيضاً قال : الكبد الاستواء ، والاستقامة ، فعلى هذا يكون المعنى ، خلقنا الإنسان منتصباً معتدل القامة ، وكل شيء من الحيوان يمشيء منكباً ، وقيل منتصباً ، رأسه في بطن أمه فإذا أذن الله في خروجه انقلب رأسه إلى أسفل ، وقيل في كبد أي في قوة نزلت في أبي الأشد أسيد بن كلدة بن جمح ، وكان شديداً قوياً يضع الأديم العكاظي تحت قدميه ، ويقول من أزالني عنه فله كذا وكذا فلا يطاق أن ينزع من تحت قدميه إلا قطعاً ، ويبقى من ذلك الأديم بقدر موضع قدميه .