Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 24-24)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما قال : { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا } [ يونس : 23 ] ضرب مثلاً عجيباً غريباً للحياة الدنيا تذكر من يبغي فيها على سرعة زوالها وانقضائها ، وأنها بحال ما تعز وتسر ، تضمحل ويؤول أمرها إلى الفناء . وقال الزمخشري : هذا من التشبيه المركب ، شبهت حال الدنيا في سرعة تقضها وانقراض نعيمها بعد الإقبال بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعدما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه انتهى . وإنما هنا ليست للحصر لا وضعاً ولا استعمالاً ، لأنه تعالى ضرب للحياة الدنيا أمثالاً غير هذا ، والمثل هنا يحتمل أن يراد به الصفة ، وأن يراد به القول السائر المشبه به حال الثاني بالأول . والظاهر تشبيه صفة الحياة الدنيا بماء فيما يكون به ، ويترتب عليه من الانتفاع ثم الانقطاع . وقيل : شبهت الحياة الدنيا بالنبات على تلك الأوصاف ، فيكون التقدير : كنبات ماء ، فحذف المضاف . وقيل : شبهت الحياة بحياة مقدرة على هذه الأوصاف ، فيكون التقدير : كحياة قوم بماء أنزلناه من السماء . قيل : ويقوي هذا قوله : وظن أهلها أنهم قادرون عليها . والسماء إما أن يراد من السحاب ، وإما أن يراد من جهة السماء ، والظاهر أن النبات اختلط بالماء . ومعنى الاختلاط : تشبثه به ، وتلقفه إياه ، وقبوله له ، لأنه يجري له مجرى الغذاء ، فتكون الباء للمصاحبة . وكل مختلطين يصح في كل منهما أن يقال : اختلط بصاحبه ، فلذلك فسره بعضهم بقوله : خالطه الماء وداخله ، فغذّى كل جزء منه . وقال الكرماني : فاختلط به اختلاط مجاورة ، لأنّ الاختلاط تداخل الأشياء بعضها في بعض انتهى . ولا يمتنع اختلاط النبات بالماء على سبيل التداخل ، فلا تقول : إنه اختلاط مجاورة . وقيل : اختلط اختلف وتنوع بالماء ، وينبو لفظ اختلط عن هذا التفسير . وقيل : معنى اختلط تركب . وقيل : امتد وطال . وقال الزمخشري : فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً . وقال ابن عطية : وصلت فرقة النبات بقوله فاختلظ أي : اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء انتهى . وعلى هذه الأقوال الباء في بماء للسببية ، وأبعد من ذهب إلى أن الفاعل في قوله : فاختلط ، هو ضمير يعود على الماء أي : فاختلط الماء بالأرض . ويقف هذا الذاهب على قوله : فاختلط ، ويستأنلف به نبات على الابتداء ، والخبر المقدم . قال ابن عطية : يحتمل على هذا أن يعود الضمير في به على الماء وعلى الاختلاط الذي تضمنه الفعل انتهى . والوقف على قوله : فاختلط ، لا يجوز وخاصة في القرآن لأنه تفكيك للكلام المتصل الصحيح المعنى ، الفصيح اللفظ ، وذهاب إلى اللغز والتعقيد ، والمعنى الضعيف . ألا ترى أنه لو صرح بإظهار الاسم الذي الضمير في كناية عنه فقيل بالاختلاط نبات الأرض ، أو بالماء نبات الأرض ، لم يكد ينعقد كلاماً من مبتدأ وخبر لضعف هذا الإسناد وقربه من عدم الإفادة ، ولولا أنّ ابن عطية ذكره وخرّجه على ما ذكرناه عنه لم نذكره في كتابنا . ولما كان النبات ينقسم إلى مأكول وغيره ، بيّن أنّ المراد أحد القسمين بمن فقال : مما يأكل الناس ، كالحبوب والثمار والبقول والأنعام ، كالحشيش وسائر ما يرعى . قال الحوفي : مِن متعلقه باختلط . وقال أبو البقاء : مما يأكل حال من النبات ، فاقتضى قول أبي البقاء أن يكون العامل في الحال محذوفاً لأنّ المجرور والظرف إذا وقعا حالين كان العامل محذوفاً . وقول أبي البقاء : هو الظاهر ، وتقديره : كائناً مما يأكل ، وحتى غاية ، فيحتاج أن يكون الفعل الذي قبلها متطاولاً حتى تصحّ الغاية . فأما أن يقدر قبلها محذوف أي : فما زال ينمو حتى إذا ، أو يتجوز في فاختلط ، ويكون معناه فدام اختلاط النبات بالماء حتى إذا . وقوله : أخذت الأرض زخرفها وازينت ، جملة بديعة اللفظ جعلت الأرض آخذة زخرفها متزينة ، وذلك على جهة التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون ، فاكتست وتزينت بأنواع الحلى ، فاستعير الأخذ وهو التناول باليد لاشتمال نبات الأرض على بهجة ونضارة وأثواب مختلفة ، واستعير لتلك البهجة والنضارة والألوان المختلفة لفظة الزخرف وهو الذهب ، لما كان من الأشياء البهجة المنظر السارة للنفوس . وازينت أي : بنباتها وما أودع فيه من الحبوب والثمار والأزهار ، ويحتمل أن يكون قوله : وازينت تأكيداً لقوله : أخذت الأرض زخرفها . واحتمل أن لا يكون تأكيداً ، إذ قد يكون أخذ الزخرف لا لقصد التزيين ، فقيل : وازينت ليفيد أنها قصدت التزيين . ونسبة الأخذ إلى الأرض والتزيين من بديع الاستعارة . وقرأ الجمهور : وازينت وأصله وتزينت ، فأدغمت التاء في الزاي فاجتلبت همزة الوصل لضرورة تسكين الزاي عند الإدغام . وقرأ أبي وعبد الله ، وزيد بن علي ، والأعمش : وتزينت على وزن تفعلت . وقرأ سعد بن أبي وقاص ، وأبو عبد الرحمن ، وابن يعمر ، والحسن ، والشعبي ، وأبو العالية ، وقتادة ، ونصر بن عاصم ، وابن هرمز ، وعيسى الثقفي : وأزينت على وزن أفعلت ، كأحصد الزرع أي حضرت زينتها وحانت . وصحت الياء فيه على جهة الندور ، كأعبلت المرأة . والقياس : وأزانت ، كقولك وأبانت . وقرأ أبو عثمان النهدي بهمزة مفتوحة بوزن افعألت ، قاله عنه صاحب اللوامح قال : كأنه كانت في الوزن بوزن احمأرَّت ، لكنهم كرهوا الجمع بين ساكنين ، فحركت الألف فانقلبت همزة مفتوحة . ونسب ابن عطية هذه القراءة لفرقة فقال : وقرأت فرقة وازيأنت وهي لغة منها قال الشاعر : @ إذا ما الهوادي بـالعبيط احـمأرَّت @@ وقرأ أشياخ عوف ابن أبي جميلة : وازيانت بنون مشدّدة وألف ساكنة قبلها . قال ابن عطية : وهي قراءة أبي عثمان النهدي . وقرأت فرقة : وازّاينت ، والأصل وتزاينت فأدغم ، والظن هنا على بابه من ترجيح أحد الجائزين . وقيل : بمعنى أيقنوا وليس بسديد ، ومعنى القدرة عليها التمكن من تحصيلها ومنفعتها ورفع غلتها ، وذلك لحسن نموها وسلامتها من العاهات . والضمير في أهلها عائد على الأرض ، وهو على حذف مضاف أي : أهل نباتها . وقيل : الضمير عائد على الغلة . وقيل : على الزينة ، وهو ضعيف . وجواب إذا قوله : أتاها أمرنا كالريح والصر والسموم وغير ذلك من الآفات كالفار والجراد . وقيل : أتاها أمرنا بإهلاكها ، وأبهم في قوله : ليلاً أو نهاراً ، وقد علم تعالى متى يأتيها أمره ، أو تكون أو للتنويع ، لأنّ بعض الأرض يأتيها أمره تعالى ليلاً وبعضها نهاراً ، ولا يخرج كائن عن وقوعه فيهما . والحصيد : فعيل بمعنى مفعول أي : المحصود ، ولم يؤنث كما لم تؤنث امرأة جريج . وقال أبو عبيدة : الحصيد المستأصل انتهى . وعبر بحصيد عن التألف استعارة ، جعل ما هلك من الزرع بالآفة قبل أوانه حصيداً علاقة ما بينهما من الطرح على الأرض . وقيل : يجوز أن تكون تشبيهاً بغير الأداة والتقدير : فجعلناها كالحصيد . وقوله : كأن لم تغن بالأمس ، مبالغة في التلف والهلاك حتى كأنها لم توجد قبل ، ولم يقم بالأرض بهجة خضرة نضرة تسر أهلها . وقرأ الحسن وقتادة : كأن لم يغن بالياء على التذكير . فقيل : عائد على المضاف المحذوف الذي هو الزرع ، حذف وقامت هاء التأنيث مقامه في قوله : عليها ، وفي قوله : أتاها فجعلناها . وقيل : عائد على الزخرف ، والأولى عوده على الحصيد أي : كأن لم يغن الحصيد . وكان مروان بن الحكم يقرأ على المنبر : كأن لم تتغن بتائين مثل تتفعل . وقال الأعشى : طويل الثواء طويل التغني ، وهو من غنى بكذا أقام به . قال الزمخشري : والأمس مثل في الوقت . كأنه قيل : كأن لم تغن آنفاً انتهى . وليس الأمس عبارة عن مطلق الوقت ، ولا هو مرادف كقوله : آنفاً ، لأنّ آنفاً معناه الساعة ، والمعنى : كأن لم يكن لها وجود فيما مضى من الزمان . ولولا أنّ قائلاً قال في غير القرآن كأن لم يكن لها وجود الساعة لم يصح هذا المعنى ، لأنه لا وجود لها الساعة ، فكيف تشبه وهي لا وجود لها حقيقة بما لا وجود لها حقيقة ؟ إنما يشبه ما انتفى وجوده الآن بما قدر انتفاء وجوده في الزمان الماضي ، لسرعة انتقاله من حالة الوجود إلى حالة العدم ، فكان حالة الوجود ما سبقت له . وفي مصحف أبي : كأن لم تغن بالأمس ، وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها . وفي التحرير نفصل الآيات ، رواه عنه ابن عباس . وقيل في مصحفه : وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها . وفي التحرير : وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقرأ في قراءة أبيّ كأن لم تغن بالأمس ، وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها ، ولا يحسن أن يقرأ أحد بهذه القراءة لأنها مخالفة لخط المصحف الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون انتهى . كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون أي : مثل هذا التفصيل الذي فصلناه في الماضي ، نفصل في المستقبل . وقرأ أبو الدرداء : لقوم يتذكرون بالذال بدل الفاء .