Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 35-35)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما بين تعالى عجز أصنامهم عن الإبداء والإعادة اللذين هما من أقوى أسباب القدرة وأعظم دلائل الألوهية ، بين عجزهم عن هذا النوع من صفات الإله وهو الهداية إلى الحق وإلى مناهج الصواب ، وقد أعقب الخلق بالهداية في القرآن في مواضع قال تعالى حكاية عن الكليم : { قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] وقال : { الذي خلق فسوّى * والذي قدّر فهدى } [ الأعلى : 2 - 3 ] فاستدل بالخلق والهداية على وجود الصانع ، وهما حالان للجسد والروح . ولما كانت العقول يلحقها الاضطراب والغلط ، بيّن تعالى أنه لا يهديهما إلا هو بخلاف أصنامهم ومعبوداتهم ، فإنه ما كان منها لا روح فيه جماد لا تأثير له ، وما فيه روح فليس قادراً على الهداية ، بل الله تعالى هو الذي يهديه . وهدى تتعدّى بنفسها إلى اثنين ، وإلى الثاني بإلى وباللام . ويهدي إلى الحق حذف مفعوله الأول ، ولا يصح أن يكون لازماً بمعنى يهتدي ، لأن مقابله إنما هو متعد ، وهو قوله قل : الله يهدي للحق أي يهدي من يشاء إلى الحق . وقد أنكر المبرد ما قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري من أن يكون هدى بمعنى اهتدى ، وقال : لا نعرف هذا ، وأحق ليست أفعل تفضيل ، بل المعنى حقيق بأن يتبع . ولما كانوا معتقدين أنّ شركاءهم تهدي إلى الحق ، ولا يسلمون حصر الهداية لله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يبادر بالجواب فقال : قل الله يهدي للحق ، ثم عادل في السؤال بالهمزة وأم بين من هو حقيق بالاتباع ، ومن هو غير حقيق ، وجاء على الأفصح الأكثر من فصل أم مما عطفت عليه بالخبر كقوله : { أذلك خير أم جنة الخلد } [ الفرقان : 15 ] بخلاف قوله : { أقريب أم بعيد ما توعدون } [ الأنبياء : 109 ] وسيأتي القول في ترجيح الوصل هنا في موضعه إن شاء الله تعالى . وقرأ أهل المدينة : إلا ورشا أمن لا يهدي بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال ، فجمعوا بين ساكنين . قال النحاس : لا يقدر أحد أن ينطق به . وقال المبرد : من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة ، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة . وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية كذلك : إلا أنه اختلس الحركة . وقرأ ابن عامر ، وابن كثير ، وورش ، وابن محيصن : كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء وأصله يهتدي ، فقلب حركة التاء إلى الهاء ، وأدغمت التاء في الدال . وقرأ حفص ، ويعقوب ، والأعمش عن أبي بكر كذلك ، إلا أنهم كسروا الهاء لما اضطر إلى الحركة حرّك بالكسر . قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر . وقرأ أبو بكر في رواية يحيـى بن آدم كذلك ، إلا أنه كسر الياء . ونقل عن سيبويه أنه لا يجيز يهدي ، ويجيز تهدي ونهدي وأهدى قال : لأن الكسرة في الياء تثقل . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، ويحيـى بن وثاب ، والأعمش : يهدي مضارع هدى . قال الزمخشري : هذه الهداية أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي ، أي لا يهتدي بنفسه أو لا يهدي غيره ، إلا أنْ يهديه الله . وقيل : معناه أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه ، إلا أن يهدي ، إلا أن ينقل أولا يهتدي ، ولا يصح منه الاهتداء إلا بنقلة الله تعالى من حاله إلى أن يجعله حيواناً مطلقاً فيهديه انتهى . وتقدم إنكار المبرد ما قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري : من أنّ هدى بمعنى اهتدى . وقال أبو علي الفارسي : وصف الأصنام بأنها لا تهتدي إلا أن تهدى ، ونحن نجدها لا تهتدي وإن هديت . فوجه ذلك أنه عامل في العبادة عنها معاملتهم في وصفها بأوصاف من يعقل ، وذلك مجاز وموجود في كثير من القرآن . وقال ابن عطية : والذي أقول إنّ قراءة حمزة والكسائي يحتمل أن يكون المعنى أم من لا يهدي أحداً إلا أن يهدي ذلك الأحد بهداية من عند الله ، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها أم مَن لا يهتدي إلا أن يهدي فيتجه المعنى على ما تقدم لأبي علي الفارسي ، وفيه تجوز كثير . ويحتمل أن يكون ما ذكر الله من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها . وقيل : تم الكلام عند قوله : أم من لا يهدي أي لا يهدي غيره ، ثم قال : إلا أن يهدي استثناء منقطع ، أي لكنه يحتاج إلى أن يهدي كما تقول : فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع ، أي لكنه يحتاج إلى أن يسمع . وقيل : أم من لا يهدي في الرؤساء المضلين انتهى . ويكون استثناء متصلاً لأنه إذ ذاك يكون فيهم قابلية الهداية ، بخلاف الأصنام . فما لكم استفهام معناه التعجب والإنكار أي : أي شيء لكم في اتخاذ هؤلاء الشركاء إذ كانوا عاجزين عن هداية أنفسهم ، فكيف يمكن أن يهدوا غيرهم ؟ كيف تحكمون استفهام آخر أي : كيف تحكمون بالباطل وتجعلون لله أنداداً وشركاء ؟ وهاتان جملتان أنكر في الأولى ، وتعجب من اتباعهم من لا يهدي ولا يهتدي ، وأنكر في الثاني حكمهم بالباطل وتسوية الأصنام برب العالمين .