Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-71)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى الدلائل على وحدانيته ، وذكر ما جرى بين الرسول وبين الكفار ، ذكر قصصاً من قصص الأنبياء وما جرى هم مع قومهم من الخلاف وذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وليتأسى بمن قبله من الأنبياء فيخف عليه ما يلقى منهم من التكذيب وقلة الاتباع ، وليعلم المتلوّ عليهم هذا القصص عاقبة من كذب الأنبياء ، وما منح الله نبيه من العلم بهذا القصص وهو لم يطالع كتاباً ولا صحب عالماً ، وأنها طبق ما أخبر به . فدل ذلك على أن الله أوحاه إليه وأعلمه به ، وأنه نبي لا شك فيه . والضمير في عليهم عائد على أهل مكة الذين تقدم ذكرهم . وكبر معناه عظم مقامي أي : طول مقامي فيكم ، أو قيامي للوعظ . كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائماً ليروه وهم قعود ، وكقيام الخطيب ليسمع الناس وليروه ، أو نسب ذلك إلى مقامه والمراد نفسه كما تقول : فعلت كذا لمكان فلان ، وفلان ثقيل الظل تريد لأجل فلان وفلان ثقيل . قال ابن عطية : ولم يقرأ هنا بضم الميم انتهى . وليس كما ذكر ، بل قرأ مقامي بضم الميم أبو مجلز وأبو رجاء وأبو الجوزاء . والمقام الإقامة بالمكان ، والمقام مكان القيام . والتذكير وعظه إياهم وزجرهم عن المعاصي ، وجواب الشرط محذوف تقديره : فافعلوا ما شئتم . وقيل : الجواب فعلى الله توكلت . وفأجمعوا معطوف على الجواب ، وهو لا يظهر لأنه متوكل على الله دائماً . وقال الأكثرون : الجواب فأجمعوا ، وفعلى الله توكلت جملة اعتراض بين الشرط وجزائه كقوله : @ أما تريني قد نحلت ومن يكن غرضاً لأطراف الأسنة ينحل فلرب أبلج مثل ثقلك بادن ضخم على ظهر الجواد مهبل @@ وقرأ الجمهور : فأجمعوا من أجمع الرجل الشيء عزم عليه ونواه . قال الشاعر : @ أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء @@ وقال آخر : @ يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أعذرت يوماً وأمري مجمع @@ وقال أبو قيد السدوسي : أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه . وقال أبو الهيثم : أجمع أمره جعله مجموعاً بعدما كان متفرقاً ، قال : وتفرقته أنه يقول مرة أفعل كذا ، ومرة أفعل كذا ، فإذا عزم على أمر واحد قد جعله أي : جعله جميعاً ، فهذا هو الأصل في الإجماع ، ثم صار بمعنى العزم حتى وصل بعلى ، فقيل : أجمعت على الأمر أي عزمت عليه ، والأصل أجمعت الأمر انتهى . وعلى هذا القراءة يكون وشركاءكم عطفاً على أمركم على حذف مضاف أي : ك وأمر شركائكم ، أو على أمركم من غير مراعاة محذوف . لأنه يقال أيضاً : أجمعت شركائي ، أو منصوباً بإضمار فعل أي : وادعوا شركاءكم ، وذلك بناء على أنه لا يقال أجمعت شركائي يعني في الأكثر ، فيكون نظير قوله : @ فعلفتها تبناً وماء بارداً حتى شتت همالة عيناها @@ في أحد المذهبين أي : وسقيتها ماء بارداً ، وكذا هي في مصحف أبي . وادعوا شركاءكم ، وقال أبو علي : وقد تنصب الشركاء بواو مع كما قالوا : جاء البرد والطيالسة . ولم يذكر الزمخشري في نصب ، وشركاءكم غير قول أبي على أنه منصوب بواو مع ، وينبغي أن يكون هذا التخريج على أنه مفعول معه من الفاعل وهو الضمير في اجمعوا لا من المفعول الذي هو أمركم ، وذلك على أشهر الاستعمالين . لأنه يقال : أجمع الشركاء ، ولا يقال جمع الشركاء أمرهم إلا قليلاً ، ولا أجمعت الشركاء إلا قليلاً . وفي اشتراط صحة جواز العطف فيما يكون مفعولاً معه خلاف ، فإذا جعلناه من الفاعل كان أولى . وقرأ الزهري ، والأعمش ، والجحدري ، وأبو رجاء ، والأعرج ، والأصمعي عن نافع ، ويعقوب : بخلاف عنه فاجمعوا بوصل الألف وفتح الميم من جمع ، وشركاءكم عطف على أمركم لأنه يقال : شركائي ، أو على أنه مفعول معه ، أو على حذف مضاف أي : ذوي الأمر منكم ، فجرى على المضاف إليه ما جرى على المضاف ، لو ثبت قاله أبو علي . وفي كتاب اللوامح : أجمعت الأمر أي جعلته جميعاً ، وجمعت الأموال جميعاً ، فكان الإجماع في الاحداث والجمع في الاعيان ، وقد يستعمل كل واحد مكان الآخر . وفي التنزيل : { فجمع كيده } [ طه : 60 ] انتهى . وقرأ أبو عبد الرحمن ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمر ، وسلام ، ويعقوب فيما روي عنه : وشركاؤكم بالرفع ، ووجه بأنه عطف على الضمير في فأجمعوا ، وقد وقع الفصل بالمفعول فحسن ، وعلى أنه مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه أي : وشركاؤكم فليجمعوا أمرهم . وقرأت فرقة : وشركائكم بالخفض عطفاً على الضمير في أمركم أي : وأمر شركائكم فحذف كقول الآخر : @ أكل امرىء تحسبين امرءاً وتار توقد بالليل ناراً @@ أي وكل نار ، فحذف كل لدلالة ما قبله عليه . والمراد بالشركاء الأنداد من دون الله ، أضافهم إليهم إذ هم يجعلونهم شركاء بزعمهم ، وأسند الإجماع إلى الشركاء على وجه التهكم كقوله تعالى : { قل ادعو شركاءكم ثم كيدون } [ الأعراف : 195 ] أو يراد بالشركاء من كان على دينهم وطريقتهم . قال ابن الأنباري : المراد من الأمر هنا وجود كيدهم ومكرهم ، فالتقدير : لا تتركوا من أمركم شيئاً إلا أحضرتموه انتهى . وأمره إياهم بإجماع أمرهم دليل على عدم مبالاته بهم ثقة بما وعده ربه من كلاءته وعصمته ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة أي حالكم معي وصحبتكم لي غماً ، وهماً أي : ثم أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غصة ، وحالكم عليكم غمة . والغم والغمة كالكرب والكربة ، قال أبو الهيثم : هو من قولهم غم علينا الهلال فهو مغموم إذا التمس فلم ير . وقال طرفة : @ لعمرك ما أمري عليّ بغمة نهاري ولا ليلي عليّ بسرمد @@ وقال الليث : يقال : إنه لفي غمة من أمره إذا لم يتبين له . وقال الزجاج : أمركم ظاهراً مكشوفاً ، وحسنه الزمخشري فقال : وقد ذكر القول الأول الذي يراد بالأمر فقال : والثاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأول . والغمة السترة ، من غمه إذا ستره . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " ولا غمة في فرائض الله تعالى " أي لا تستر ولكن يجاهر بها ، يعني : ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستوراً عليكم ، بل مكشوفاً مشهوراً تجاهرون به انتهى . ومعنى اقضوا : إلي أنفذوا قضاءكم نحوي ، ومفعول اقضوا محذوف أي : اقضوا إليّ ذلك الأمر وامضوا في أنفسكم ، واقطعوا ما بيني وبينكم . وقرأ السري بن ينعم : ثم أفضوا بالفاء وقطع الألف ، أي : انتهوا إليّ بشركم من أفضى بكذا انتهى إليه . وقيل : معناه أسرعوا . وقيل : من أفضى إذا خرج إلى الفضاء أي : فاصحروا به إليّ وأبرزوه . ومنه قول الشاعر : @ أبى الضيم والنعمان تحرق نابه عليه فأفضى والسيوف معاقله @@ ولا تنظرون : أي لا تؤخرون ، والنظرة التأخير .