Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 105, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومعنى { ألم تر } : ألم تعلم قدره على وجود علمه بذلك ؟ إذ هو أمر منقول نقل التواتر ، فكأنه قيل : قد علمت فعل الله ربك بهؤلاء الذين قصدوا حرمه ، ضلل كيدهم وأهلكهم بأضعف جنوده ، وهي الطير التي ليست من عادتها أنها تقتل . وقصة الفيل ذكرها أهل السير والتفسير مطولة ومختصرة ، وتطالع في كتبهم . وأصحاب الفيل : أبرهة بن الصباح الحبشي ومن كان معه من جنوده . والظاهر أنه فيل واحد ، وهو قول الأكثرين . وقال الضحاك : ثمانية فيلة ، وقيل : اثنا عشر فيلاً ، وقيل : ألف فيل ، وهذه أقوال متكاذبة . وكان العسكر ستين ألفاً ، لم يرجع أحد منهم إلا أميرهم في شرذمة قليلة ، فلما أخبروا بما رأوا هلكوا . وكان الفيل يوجهونه نحو مكة لما كان قريباً منها فيبرك ، ويوجهونه نحو اليمن والشام فيسرع . وقال الواقدي : أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم . وقرأ السلمي : ألم تر بسكون ، وهو جزم بعد جزم . ونقل عن صاحب اللوامح ترأ بهمزة مفتوحة مع سكون الراء على الأصل ، وهي لغة لتيم ، وتر معلقة ، والجملة التي فيها الاستفهام في موضع نصب به ؛ وكيف معمول لفعل . وفي خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { فعل ربك } تشريف له صلى الله عليه وسلم وإشادة من ذكره ، كأنه قال : ربك معبودك هو الذي فعل ذلك لا أصنام قريش أساف ونائلة وغيرهما . { ألم يجعل كيدهم في تضليل } وإبطال ، يقال : ضلل كيدهم ، إذا جعله ضالاً ضائعاً . وقيل لامرىء القيس الضليل ، لأنه ضلل ملك أبيه ، أي ضيعه . وتضييع كيدهم هو بأن أحرق الله تعالى البيت الذي بنوه قاصدين أن يرجع حج العرب إليه ، وبأن أهلكهم لما قصدوا هدم بيت الله الكعبة بأن أرسل عليهم طيراً جاءت من جهة البحر ، ليست نجدية ولا تهامية ولا حجازية سوداء . وقيل : خضراء على قدر الخطاف . وقرأ الجمهور : { ترميهم } بالتاء ، والطير اسم جمع بهذه القراءة ، وقوله : @ كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد @@ وتذكر كقراءة أبي حنيفة وابن يعمر وعيسى وطلحة في رواية عنه : يرميهم . وقيل : الضمير عائد على { ربك } . { بحجارة } ؛ كان كل طائر في منقاره حجر ، وفي رجليه حجران ، كل حجر فوق حبة العدس ودون حبة الحمص ، مكتوب في كل حجر اسم مرميه ، ينزل على رأسه ويخرج من دبره . ومرض أبرهة ، فتقطع أنملة أنملة ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، وانفلت أبو مكسوم وزيره ، وطائره يتبعه حتى وصل إلى النجاشي وأخبره بما جرى للقوم ، فرماه الطائر بحجره فمات بين يدي الملك . وتقدم شرح سجيل في سورة هود ، والعصف في سورة الرحمن . شبهوا بالعصف ورق الزرع الذي أكل ، أي وقع فيه الأكال ، وهو أن يأكله الدود والتبن الذي أكلته الدواب وراثته . وجاء على آداب القرآن نحو قوله : { كانا يأكلان الطعام } [ المائدة : 75 ] أو الذي أكل حبه فبقي فارغاً ، فنسبه أنه أكل مجاز ، إذ المأكول حبه لا هو . وقرأ الجمهور : { مأكول } : بسكون الهمزة وهو الأصل ، لأن صيغة مفعول من فعل . وقرأ أبو الدرداء ، فيما نقل ابن خالويه : بفتح الهمزة اتباعاً لحركة الميم وهو شاذ ، وهذا كما اتبعوه في قولهم : محموم بفتح الحاء لحركة الميم . قال ابن إسحاق : لما رد الله الحبشة عن مكة ، عظمت العرب قريشاً وقالوا : أهل الله قاتل عنهم وكفاهم مؤونة عدوّهم ، فكان ذلك نعمة من الله تعالى عليهم . وقيل : هو إجابة لدعاء الخليل عليه الصلاة والسلام .