Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 107, Ayat: 1-7)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الظاهر أن { أرأيت } هي التي بمعنى أخبرني ، فتتعدى لاثنين ، أحدهما الذي ، والآخر محذوف ، فقدره الحوفي : أليس مستحقاً عذاب الله ، وقدره الزمخشري : من هو ، ويدل على أنها بمعنى أخبرني . قراءة عبد الله أرأيتك بكاف الخطاب ، لأن كاف الخطاب لا تلحق البصرية . قال الحوفي : ويجوز أن تكون من رؤية البصر ، فلا يكون في الكلام حذف ، وهمزة الاستفهام تدل على التقرير والتفهيم ليتذكر السامع من يعرفه بهذه الصفة . والدين : الجزاء بالثواب والعقاب . وقال الزمخشري : والمعنى هل عرفت الذي يكذب بالجزاء ؟ هو الذي { يدع اليتيم } : أي يدفعه دفعاً عنيفاً بجفوة أو أذى ، { ولا يحض } : أي ولا يبعث أهله على بذل الطعام للمسكين . جعل علم التكذيب بالجزاء ، منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف ، انتهى . وقرأ الجمهور : { يدع } بضم الدال وشد العين ؛ وعليّ والحسن وأبو رجاء واليماني : بفتح الدال وخف العين ، أي يتركه بمعنى لا يحسن إليه ويجفوه . وقرأ الجمهور : { ولا يحض } مضارع حض ؛ وزيد بن علي : يحاض مضارع حاضضت . وقال ابن عباس : { بالدين } : بحكم الله . وقال مجاهد : بالحساب ، وقيل : بالجزاء ، وقيل : بالقرآن . وقال إبراهيم ابن عرفة : { يدع اليتيم } : يدفعه عن حقه . وقال مجاهد : يدفعه عن حقه ولا يطعمه ، وفي قوله : { ولا يحض } إشارة إلى أنه هو لا يطعم إذا قدره ، وهذا من باب الأولى ، لأنه إذا لم يحض غيره بخلاً ، فلان يترك هو ذلك فعلاً أولى وأحرى ، وفي إضافة طعام إلى المسكين دليل على أنه يستحقه . ولما ذكر أولاً عمود الكفر ، وهو التكذيب بالدين ، ذكر ما يترتب عليه مما يتعلق بالخالق ، وهو عبادته بالصلاة ، فقال : { فويل للمصلين } . والظاهر أن المصلين هم غير المذكور . وقيل : هو داع اليتيم غير الحاض ، وأن كلاً من الأوصاف الذميمة ناشىء عن التكذيب بالدين ، فالمصلون هنا ، والله أعلم ، هم المنافقون ، أثبت لهم الصلاة ، وهي الهيئات التي يفعلونها . ثم قال : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } ، نظراً إلى أنهم لا يوقعونها ، كما يوقعها المسلم من اعتقاد وجوبها والتقرب بها إلى الله تعالى . وفي الحديث عن صلاتهم ساهون : " يؤخرونها عن وقتها تهاوناً بها " قال مجاهد : تأخير ترك وإهمال . وقال إبراهيم : هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا ملتفتاً . وقال قتادة : هو الترك لها ، أو هم الغافلون الذين لا يبالي أحدهم أصلى أم لم يصل . وقال قطرب : هو الذي لا يقر ولا يذكر الله تعالى . وقال ابن عباس : المنافقون يتركون الصلاة سراً ويفعلونها علانية ، { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } [ النساء : 142 ] الآية ، ويدل على أنها في المنافقين قوله تعالى : { الذين هم يراءون } ، وقاله ابن وهب عن مالك . قال ابن عباس : ولو قال في صلاتهم لكانت في المؤمنين . وقال عطاء : الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم . وقال الزمخشري : بعد أن قدم فيما نقلناه من كلامه ما يدل على أن { فذلك الذي يدع } في موضع رفع ، قال : وطريقة أخرى أن يكون { فذلك } عطفاً على { الذي يكذب } ، إما عطف ذات على ذات ، أو عطف صفة على صفة ، ويكون جواب { أرأيت } محذوفاً لدلالة ما بعده عليه ، كأن قال : أخبرني وما تقول فيمن يكذب بالجزاء ، وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين ، أنعم ما يصنع ؟ ثم قال : { فويل للمصلين } : أي إذا علم أنه مسيء ، { فويل للمصلين } على معنى : فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم لأنهم كانوا مع التكذيب ، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم . فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائماً مقام ضمير { الذي يكذب } ، وهو واحد ؟ قلت : معناه الجمع ، لأن المراد به الجنس ، انتهى . فجعل فذلك في موضع نصب عطفاً على المفعول ، وهو تركيب غريب ، كقولك : أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا ، فالمتبادر إلى الذهن أن فذلك مرفوع بالابتداء ، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا . فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكن تمكن ما هو فصيح ، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى الذي يزورنا ، بل الفصيح أكرمت الذي يزورنا فالذي يحسن إلينا ، أو أكرمت الذي يزورنا فيحسن إلينا . وأما قوله : إما عطف ذات على ذات فلا يصح ، لأن فذلك إشارة إلى الذي يكذب ، فليسا بذاتين ، لأن المشار إليه بقوله : { فذلك } هو واحد . وأما قوله : ويكون جواب { أرأيت } محذوفاً ، فلا يسمى جواباً ، بل هو في موضع المفعول الثاني لأرأيت . وأما قوله : أنعم ما يصنع ، فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على نعم ولا بئس ، لأنهما إنشاء ، والاستفهام لا يدخل إلى على الخبر . وأما وضعه المصلين موضع الضمير ، وأن المصلين جمع ، لأن ضمير الذي يكذب معناه الجمع ، فتكلف واضح ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلا على ما اقتضاه ظاهر التركيب ، وهكذا عادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة . وتقدّم الكلام في الرياء في سورة البقرة . وقرأ الجمهور : يراءون مضارع راأى ، على وزن فاعل ؛ وابن أبي إسحاق والأشهب : مهموزة مقصورة مشدّدة الهمزة ؛ وعن ابن أبي إسحاق : بغير شد في الهمزة . فتوجيه الأولى إلى أنه ضعف الهمزة تعدية ، كما عدوا بالهمزة فقالوا في رأى : أرى ، فقالوا : راأى ، فجاء المضارع بأرى كيصلى ، وجاء الجمع يروّون كيصلون ، وتوجيه الثانية أن استثقل التضعيف في الهمزة فخففها ، أو حذف الألف من يراءون حذفاً لا لسبب . { ويمنعون الماعون } ، قال ابن المسيب وابن شهاب : الماعون ، بلغة قريش : المال . وقال الفرّاء عن بعض العرب : الماعون : الماء . وقال ابن مسعود وابن عباس وابن الحنفية والحسن والضحاك وابن زيد : ما يتعاطاه الناس بينهم ، كالفأس والدلو والآنية . وفي الحديث : " سئل صلى الله عليه وسلم عن الشيء الذي لا يحل منعه فقال : الماء والملح والنار " وفي بعض الطرق : الإبرة والخمير . وقال عليّ وابن عمر وابن عباس أيضاً : الماعون : الزكاة ، ومنه قول الراعي : @ أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله من أموالنا حق الزكاة منزلاً تنزيلا قوم على الإسلام لما يمنعوا ما عونهم ويضيعوا التهليلا @@ يعني بالماعون : الزكاة ، وهذا القول يناسبه ما ذكره قطرب من أن أصله من المعن ، وهو الشيء القليل ، فسميت الزكاة ماعوناً لأنها قليل من كثير ، وكذلك الصدقة غيرها . وقال ابن عباس : هو العارية . وقال محمد بن كعب والكلبي : هو المعروف كله . وقال عبد الله بن عمر : منع الحق . وقيل : الماء والكلأ .