Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 102-105)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الشقاء نكد العيش . وسوؤه . يقال منه : شقي يشقى شقاء وشقوة وشقاوة والسعادة ضده ، يقال منه : سعد يسعد ، ويعديان بالهمزة فيقال : أشقاه الله ، وأسعده الله . وقد قرىء شقوا وسعدوا بضم الشين والسين ، فدل على أنهما قد يتعدّيان . ومنه قولهم مسعود ، وذكر أنّ الفراء حكى أن هذيلاً تقول : سعده الله بمعنى أسعده . وقال الجوهري : سعد بالكسر فهو سعيد ، مثل سلم فهو سليم ، وسعد فهو مسعود . وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري : ورد سعده الله فهو مسعود ، وأسعده الله فهو مسعد . { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد . إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود . يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد } : أي ومثل ذلك الأخذ أخذ الله الأمم السابقة أخذ ربك . والقرى عام في القرى الظالمة ، والظلم يشمل ظلم الكفر وغيره . وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة . وأما الظلمة في الغالب فمعاجلون ، وفي الحديث : " إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ : وكذلك أخذ ربك إذاً . وقرأ أبو رجاء والجحدري : وكذلك أخذ ربك ، إذ أخذ على أنّ أخذ ربك فعل وفاعل ، وإذ ظرف لما مضى ، وهو إخبار عما جرب به عادة الله في إهلاك من تقدم من الأمم . وقرأ طلحة بن مصرف : وكذلك أحذ ربك هذا أخذ . قال ابن عطية : وهي قراءة متمكنة المعنى ، ولكن قراءة الجماعة تعطي الوعيد واستمراره في الزمان ، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي ، والقرى مفعول بأخذ على الإعمال إذ تنازعه المصدر وهو : أخذ ربك ، وأخذ ، فاعمل الثاني وهي ظالمة جملة حالية إن أخذه أليم موجع صعب على المأخوذ . والأخذ هنا أخذ الإهلاك . إنّ في ذلك أي : فيما قص الله من أخبار الأمم الماضية وإهلاكهم لآية لعلامة لمن خاف عذاب الآخرة ، أي : إنهم إذا عذبوا في الدنيا لأجل تكذيبهم الأنبياء وإشراكهم بالله ، وهي دار العمل فلأن يعذبوا على ذلك في الآخرة التي هي دار الجزاء أولى ، وذلك أنّ الأنبياء أخبروا باستئصال من كذبهم ، وأشركوا بالله . ووقع ما أخبروا به وفق إخبارهم ، فدل على أنّ ما أخبروا به من البعث والجزاء صدق لا شك فيه . قال الزمخشري : لآية لمن خاف لعبرة له ، لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا ، وما هو إلا أنموذج مما أعد لهم في الآخرة ، فإذا رأى عظمته وشدته اعتبر به من عظيم العذاب الموعود فيكون له عظة وعبرة ولطفاً في زيادة التقوى والخشية من الله ونحوه : { إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى } [ النازعات : 26 ] ذلك إشارة إلى يوم القيامة الدال عليه قوله : عذاب الآخرة ، والناس مفعول لم يسم فاعله رافعه مجموع ، وأجاز ابن عطية أن يكون الناس مبتدأ ، ومجموع خبر مقدم ، وهو بعيد لإفراد الضمير في مجموع ، وقياسه على إعرابه مجموعون ، ومجموع له الناس عبارة عن الحشر ، ومشهود عام يشهده الأولون والآخرون من الإنس والجن والملائكة والحيوان في قول الجمهور . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : أي فائدة في أن أوثر اسم المفعول على فعله ؟ ( قلت ) : لما في اسم المفعول من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم ، وأنه لا بد أن يكون ميعاداً مضروباً لجمع الناس له ، وأنه هو الموصوف بذلك صفة لازمة ، وهو أثبت أيضاً لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكون منه ، وفيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل . ومعنى مشهود ، مشهود فيه ، فاتسع في الجار والمجرور ووصل الفعل إلى الضمير إجراء له مجرى المفعول به على السعة لقوله : @ ويومـاً شهـدنـاه سليمـاً وعـامـراً @@ والمعنى : يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد ، ومنه قولهم لفلان : مجلس مشهود ، وطعام محضور . وإنما لم يجعل اليوم مشهوداً في نفسه كما قال : { فمن شهد منكم الشهر } [ البقرة : 185 ] لأن الغرض وصف ذلك اليوم بالهول والعظم وغيره من بين الأيام ، وكونه مشهوداً في نفسه لا يميزه ، إذ هو موافق لسائر الأيام في كونها مشهودة . وما نؤخره أي : ذلك اليوم . وقيل : يعود على الجزاء قاله الحوفي ، إلا لأجل معدود أي لقضاء سابق قد نفذ فيه بأجل محدود لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه . وقرأ الأعمش : وما يؤخره بالياء ، وقرأ النحويان ونافع : يأتي بإثبات الياء وصلاً ، وحذفها وقفاً ، وابن كثير بإثباتها وصلاً ووقفاً ، وهي ثابتة في مصحف أبيّ . وقرأ باقي السبعة بحذفها وصلاً ووقفاً ، وسقطت في مصحف الإمام عثمان . وقرأ الأعمش يأتون ، وكذا في مصحف عبد الله ، وإثباتها وصلاً ووقفاً هو الوجه ، ووجه حذفها في الوقف التشبيه بالفواصل ، وقفاً ووصلاً التخفيف كما قالوا : لا أدرِ ولا أبالِ . وذكر الزمخشري أنّ الاجتزاء بالكسرة عن الياء كثير في لغة هذيل . وأنشد الطبري : @ كفاك كف ما يليق درهماً جوداً وأخرى تعط بالسيف الدما @@ والظاهر أنّ الفاعل بيأتي ضمير يعود على ما عاد عليه الضمير في نؤخره وهو قوله : ذلك يوم ، والناصب له لا تكلم ، والمعنى : لا تكلم نفس يوم يأتي ذلك اليوم إلا بإذن الله ، وذلك من عظم المهابة والهول في ذلك اليوم . وهو نظير : { لا يتكلمون إلا من إذن له الرحمن } [ النبأ : 38 ] هو ناصب كقوله : { يوم يقوم الروح والملائكة صفاً } [ النبأ : 38 ] والمراد بإتيان اليوم إتيان أهواله وشدائده ، إذ اليوم لا يكون وقتاً لإتيان اليوم . وأجاز الزمخشري أن يكون فاعل يأتي ضميراً عائداً على الله قال : كقوله : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } [ البقرة : 210 ] { أو يأتي أمر ربك } [ النحل : 33 ] وجاء ربك ، ويعضده قراءة وما يؤخره بالياء ، وقوله : { بإذنه } [ البقرة : 255 ] وأجاز أيضاً أن ينتصب يوم يأتي باذكر أو بالانتهاء المحذوف في قوله : إلا لأجل معدود ، أي ينتهي الأجل يوم يأتي . وأجاز الحوفي أن يكون لا تكلم حالاً من ضمير اليوم المتقدم في مشهود ، أو نعتاً لأنه نكره ، والتقدير : لا تكلم نفس فيه يوم يأتي إلا بإذنه . وقال ابن عطية : لا تكلم نفس ، يصح أن يكون جملة في موضع الحال من الضمير الذي في يأتي ، وهو العائد على قوله ذلك يوم ، ويكون على هذا عائد محذوف تقديره : لا تكلم نفس فيه إلا بإذنه . ويصح أن يكون قوله : لا تكلم نفس ، صفة لقوله : يوم يأتي ، أو يوم يأتي يراد به الحين والوقت لا النهار بعينه . وما ورد في القرآن من ذكر كلام أهل الموقف في التلازم والتساؤل والتجادل ، فإما أن يكون بإذن الله ، وإما أن يكون هذه مختصة هنا في تكلم شفاعة أو إقامة حجة انتهى . وكلامه في إعراب لا تكلم كأنه منقول من كلام الحوفي . وقيل : يوم القيامة يوم طويل له مواقف ، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم ، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم ، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون ، وفي بعضها يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم ، والضمير في منهم عائد على الناس في قوله : مجموع له الناس . وقال الزمخشري : الضمير لأهل الموقف ، ولم يذكروا إلا أن ذلك معلوم ، ولأنّ قوله : لا تكلم نفس ، يدل عليه ، وقد مرّ ذكر الناس في قوله : مجموع له الناس . وقال ابن عطية فمنهم عائد على الجميع الذي تضمنه قوله : نفس ، إذ هو اسم جنس يراد به الجميع انتهى . قال ابن عباس : الشقي من كتبت عليه الشقاوة ، والسعيد الذي كتبت له السعادة . وقيل : معذب ومنعم ، وقيل : محروم ومرزوق ، وقيل : الضمير في منهم عائد على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ذكره ابن الأنباري .