Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 111-111)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الظاهر عموم كل وشموله للمؤمن والكافر . وقال الزمخشري : التنوين عوض من المضاف إليه يعني : وإن كلهم ، وإن جميع المختلفين فيه . وقال مقاتل : يعني به كفار هذه الأمة . وقرأ الحرميان وأبو بكر : وإن كلا بتخفيف النون ساكنة . وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة : لما بالتشديد هنا وفي ( يس ) و ( الطارق ) وأجمعت السبعة على نصب كلا ، فتصور في قراءتهم أربع قراآت : إحداها : تخفيف أن ولما ، وهي قراءة الحرميين . والثانية : تشديدهما ، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص . والثالثة : تخفيف إنْ وتشديد لما وهي قراءة أبي بكر . والرابعة : تشديد أنْ وتخفيف لمّا ، وهي قراءة الكسائي وأبي عمرو . وقرأ أبيّ والحسن بخلاف عنه ، وإبان بن ثعلب وإنْ بالتخفيف كل بالرفع لمّا مشدداً . وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم : وإن كلا لمّا بتشديد الميم وتنوينها ، ولم يتعرضوا لتخفيف إنْ ولا تشديدها . وقال أبو حاتم : الذي في مصحف أبيّ وإن من كل إلا ليوفينهم . وقرأ الأعمش : وإن كل إلا ، وهو حرف ابن مسعود ، فهذه أربعة وجوه في الشاذ . فأما القراءة الأولى فأعمال أنْ مخففة كأعمالها مشددة ، وهذا المسألة فيها خلاف : ذهب الكوفيون إلى أنّ تخفيف إن يبطل عملها ، ولا يجوز أن تعمل . وذهب البصريون إلى أنّ إعمالها جائز ، لكنه قليل إلا مع المضمر ، فلا يجوز إلا إن ورد في شعر ، وهذا هو الصحيح لثبوت ذلك في لسان العرب . حكى سيبويه أن الثقة أخبره أنه سمع بعض العرب أنّ عمر المنطلق ، ولثبوت هذه القراءة المتواترة وقد تأولها الكوفيون . وأما لما فقال الفراء : فاللام فيها هي اللام الداخلة على خبر إنّ ، وما موصولة بمعنى الذي كما جاء : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } [ النساء : 3 ] والجملة من القسم المحذوف وجوابه الذي هو ليوفينهم صلة ، لما نحو قوله تعالى : { وإن منكم لمن ليبطئن } [ النساء : 72 ] وهذا وجه حسن ، ومن إيقاع ما على من يعقل قولهم : لا سيما زيد بالرفع ، أي لاسي الذي هو زيد . وقيل : ما نكرة موصوفة وهي لمن يعقل ، والجملة القسمية وجوابها قامت مقام الصفة ، لأن المعنى : وإنْ كلا لخلق موفى عمله ، ورجح الطبري هذا القول واختاره . وقال أبو عليّ : العرف أن تدخل لام الابتداء على الخير ، والخبر هنا هو القسم وفيه لام تدخل على جوابه ، فلما اجتمع اللامان والقسم محذوف ، واتفقا في اللفظ ، وفي تلقي القسم فصل بينهما بما كما فصلوا بين أن واللام انتهى . ويظهر من كلامه أنّ اللام في لما هي اللام التي تدخل في الخبر ، ونص الحوفي على أنها لام إنْ ، إلا أنّ المنقول عن أبي علي أنّ الخبر هو ليوفينهم ، وتحريره ما ذكرنا وهو القسم وجوابه . وقيل : اللام في لما موطئة للقسم ، وما مزيدة ، والخبر الجملة القسمية وجوابها ، وإلى هذا القول في التحقيق يؤول قول أبي علي . وأما القراءة الثانية فتشديد إنّ وإعمالها في كل واضح . وأما تشديد لمّا فقال المبرد : هذا لحن ، لا تقول العرب إنّ زيداً لما خارج ، وهذه جسارة من المبرد على عادته . وكيف تكون قراءة متواترة لحناً وليس تركيب الآية كتركيب المثال الذي قال : وهو أنّ زيداً لما خارج هذا المثال لحن ، وأما في الآية فليس لحناً ، ولو سكت وقال كما قال الكسائي : ما أدري ما وجه هذه القراءة لكن قد وفق ، وأما غير هذين من النحويين فاختلفوا في تخريجها . فقال أبو عبيد : أصله لما منونا وقد قرىء كذلك ، ثم بني منه فعلى ، فصار كتتري نون إذ جعلت ألفه للإلحاق كارطي ، ومنع الصرف إذ جعلت ألف تأنيث ، وهو مأخوذ من لممته أي جمعته ، والتقدير : وإنْ كلاًّ جميعاً ليوفينهم ، ويكون جميعاً فيه معنى التوكيد ككل ، ولا يقال لما هذه هي لما المنونة وقف عليها بالألف ، لأنها بدل من التنوين ، وأجرى الأصل مجرى الوقف ، لأنّ ذلك إنما يكون في الشعر . وما قاله أبو عبيد بعيد ، إذ لا يعرف بناء فعلى من اللم ، ولما يلزم لمن أمال ، فعلى أن يميلها ولم يملها أحد بالإجماع ، ومن كتابتها بالياء ولم تكتب بها ، وقيل : لما المشدّدة هي لما المخففة ، وشدّدها في الوقف كقولك : رأيت فرّحا يريد فرحاً ، وأجرى الوصل مجرى الوقف ، وهذا بعيد جداً ، وروي عن المازني . وقال ابن جني وغيره : تقع إلا زائدة ، فلا يبعد أن تقع لما بمعناها زائدة انتهى . وهذا وجه ضعيف مبني على وجه ضعيف في إلا . وقال المازني : إنْ هي المخفف ثقلت ، وهي نافية بمعنى ما ، كما خففت إنْ ومعناها المثقلة ، ولما بمعنى إلا ، وهذا باطل لأنه لم يعهد تثقيل إن النافية ، ولنصب كل وإن النافية لا تنصب . وقيل : لما بمعنى إلا كقولك : نشدتك بالله لما فعلت ، تريد إلا فعلت ، وقاله الحوفي ، وضعفه أبو علي قال : لأن لما هذه لا تفارق القسم انتهى . وليس كما ذكر ، قد تفارق القسم . وإنما يبطل هذا الوجه ، لأنه ليس موضع دخول إلا ، لو قلت : إنْ زيداً إلا ضربته لم يكن تركيباً عربياً . وقيل : لما أصلها لمن ما ، ومن هي الموصولة ، وما بعدها زائدة ، واللام في لما هي داخلة في خبر إن ، والصلة الجملة القسمية ، فلما أدغمت ميم من في ما الزائدة اجتمعت ثلاث ميمات ، فحذفت الوسطى منهن وهي المبدلة من النون ، فاجتمع المثلان ، فأدغمت ميم من في ميم ما ، فصار لمّا وقاله المهدوي . وقال الفراء ، وتبعه جماعة منهم نصر الشيرازي : أصل لمّا لمن ما دخلت من الجارة على ما ، كما في قول الشاعر : @ وإنا لمن ما يضرب الكبش ضربة على رأسه تلقى اللسان من الفم @@ فعمل بها ما عمل في الوجه الذي قبله . وهذان الوجهان ضعيفان جداً لم يعهد حذف نون من ، ولا حذف نون من إلا في الشعر ، إذا لقيت لام التعريف أو شبهها غير المدغمة نحو قولهم : ملمال يريدون من المال . وهذه كلها تخريجات ضعيفة جداً ينزه القرآن عنها . وكنت قد ظهر لي فيها وجه جار على قواعد العربية ، وهو أنّ لما هذه هي لما الجارمة حذف فعلها المجزوم لدلالة المعنى عليه ، كما حذفوه في قولهم قاربت المدينة ، ولما يريدون ولما أدخلها . وكذلك هنا التقدير وإن كلا لما ينقص من جزاء عمله ، ويدل عليه قوله تعالى : ليوفينهم ربك أعمالهم ، لما أخبر بانتفاء نقص جزاء أعمالهم أكده بالقسم فقال : ليوفينهم ربك أعمالهم ، وكنت اعتقدت أني سبقت إلى هذا التخريج السائغ العاري من التكلف وذكرت ذلك لبعض من يقرأ عليّ فقال : قد ذكر ذلك أبو عمرو وابن الحاجب ، ولتركي النظر في كلام هذا الرجل لم أقف عليه ، ثم رأيت في كتاب التحرير نقل هذا التخريج عن ابن الحاجب قال : لما هذه هي الجازمة حذف فعلها للدلالة عليه لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم : خرجت ولما سافرت ، ولما ونحوه ، وهو سائغ فصيح ، فيكون التقدير : لما يتركوا ، لما تقدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين في قوله : { فمنهم شقي وسعيد } [ هود : 105 ] ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم ، ثم بين ذلك بقوله : ليوفينهم ربك أعمالهم ، قال : وما أعرف وجهاً أشبه من هذا ، وإن كان النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن . وأما القراءة الثالثة والرابعة فتخريجهما مفهوم من تخريج القراءتين قبلهما ، وأما قراءة أبي ومن ذكر معه فإنْ نافية ، ولمّا بمعنى إلا ، والتقدير : ما كل إلا والله ليوفينهم . وكل مبتدأ الخبر الجملة القسمية وجوابها التي بعد لما كقراءة من قرأ { وإن كل لما جميع } [ يس : 32 ] { إن كل نفس لما عليها حافظ } [ الطارق : 4 ] ولا التفات إلى قول أبي عبيد والفراء من إنكارهما أن لما تكون بمعنى إلا . قال أبو عبيد : لم نجد هذا في كلام العرب ، ومن قال هذا لزمه أن يقول : رأيت القوم لما أخاك يريد إلا أخاك ، وهذا غيره موجود . وقال الفراء : أما من جعل لما بمعنى إلا ، فإنه وجه لا نعرفه ، وقد قالت العرب مع اليمين بالله : لما قمت عنا ، وإلا قمت عنا ، فأما في الاستثناء فلم ننقله في شعر . ألا ترى أنّ ذلك لو جاز لسمع في الكلام : ذهب الناس لما زيدا ؟ والقراءة المتواترة في قوله : وإنْ كل لما ، وإن كل نفس لما ، حجة عليهما . وكون لما بمعنى إلا نقله الخليل وسيبويه والكسائي ، وكون العرب خصصت مجيئها ببعض التراكيب لا يقدح ولا يلزم اطرادها في باب الاستثناء ، فكم من شيء خص بتركيب دون ما أشبهه . وأما قراءة الزهري ، وابن أرقم : لما بالتنوين والتشديد ، فلما مصدر من قولهم : لممت الشيء جمعته ، وخرج نصبه على وجهين : أحدهما : أن يكون صفة لكلا وصف بالمصدر وقدر كل مضافاً إلى نكرة حتى يصح الوصف بالنكرة ، كما وصف به في قوله : { أكلاً لما } [ الفجر : 19 ] وهذا تخريج أبي علي . والوجه الثاني : أن يكون منصوباً بقوله : ليوفينهم ، على حد قولهم : قياماً لأقومن ، وقعوداً لا قعدن ، فالتقدير توفية جامعة لأعمالهم ليوفينهم . وهذا تخريج ابن جني وخبر إنّ على هذين الوجهين هو جملة القسم وجوابه . وأما ما في مصحف أبي فإنْ نافية ، ومن زائدة . وأما قراءة الأعمش فواضحة ، والمعنى : جميع ما لهم . قيل : وهذه الجملة تضمنت توكيدات بأن وبكل وباللام في الخبر وبالقسم ، وبما إذا كانت زائدة ، وبنون التوكيد وباللام قبلها وذلك مبالغة في وعد الطائع ووعيد العاصي ، وأردف ذلك بالجملة المؤكدة وهي : أنه بما يعملون خبير . وهذا الوصف يقتضي علم ما خفي . وقرأ ابن هرمز : بما تعملون على الخطاب .