Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 15-16)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مناسبة هذه الآية لما قبلها ، أنه تعالى لما ذكر شيئاً من أحوال الكفار المناقضين في القرآن ، ذكر شيئاً من أحوالهم الدنيوية وما يؤولون إليه في الآخرة . وظاهر من العموم في كل من يريد زينة الحياة الدنيا ، والجزاء مقرون بمشيئته تعالى كما بين ذلك في قوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء } [ الإسراء : 18 ] الآية . وقال مجاهد : هي في الكفرة ، وفي أهل الرياء من المؤمنين . وإلى هذا ذهب معونة حين حدث بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرائين ، فتلا هذه الآية . وقال أنس : هي في اليهود والنصارى . قال ابن عطية : ومعنى هذا أنهم يدخلون في هذه الآية لا أنها ليست لغيرهم . وقيل : في المنافقين الذين جاهدوا مع الرسول فاسهم لهم ، ومعنى يريد الحياة الدنيا أي يقصد بأعماله التي يظهر أنها صالحة الدنيا فقط ، ولا يعتقد آخره . فإنّ الله يجازيه على حسن أعماله كما جاء ، وأما الكافر فيطعمه في الدنيا بحسناته . وإن اندرج في العموم المراؤون من أهل القبلة كما ترى أحدهم إذا صلى إماماً يتنغم بألفاظ القرآن ، ويرتله أحسن ترتيل ، ويطيل ركوعه وسجوده ، ويتباكى في قراءته ، وإذا صلى وحده اختلسها اختلاساً ، وإذا تصق أظهر صدقته أمام من يثني عليه ، ودفعها لمن لا يستحقها حتى يثني عليه الناس ، وأهل الرباط المتصدق عليهم . وأين هذا من رجل يتصدق خفية وعلى من لا يعرفه ، كما جاء في : " السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه " وهذه مبالغة في إخفاء الصدقة جداً ، وإذا تعلم علماً راءى به وتبجح ، وطلب بمعظمه يسير حطام من عرض الدنيا . وقد فشا الرياء في هذه الآية فشواً كثيراً حتى لا تكاد ترى مخلصاً لله لا في قول ، ولا في فعل ، فهؤلاء من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة . وقرأ الجمهور : نوفّ بنون العظمة ، وطلحة بن ميمون : يوف بالياء على الغيبة . وقرأ زيد بن علي : يوف بالياء مخففاً مضارع أوفى . وقرىء توف بالتاء مبنياً للمفعول ، وأعمالهم بالرفع ، وهو على هذه القراآت مجزوم جواب الشرط ، كما انجزم في قوله : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } [ الشورى : 20 ] وحكي عن الفراء أنّ كان زائدة ، ولهذا جزم الجواب . ولعله لا يصح ، إذ لو كانت زائدة لكان فعل الشرط يريد ، وكان يكون مجزوماً ، وهذا التركيب من مجيء فعل الشرط ماضياً والجواب مضارعاً ليس مخصوصاً بكان ، بل هو جائز في غيرها . كما روي في بيت زهير : @ ومن أهاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أن يرقى السماء بسلم @@ وقرأ الحسن : نوفي بالتخفيف وإثبات الياء ، فاحتمل أن يكون مجزوماً بحذف الحركة المقدرة على لغة من قال : ألم يأتيك وهي لغة لبعض العرب ، واحتمل أن يكون مرفوعاً كما ارتفع في قول الشاعر : @ وإن شل ريعان الجميع مخافة يقول جهاراً ويلكم لا تنفروا @@ والحصر في كينونة النار لهم ظاهر في أنّ الآية في الكفار ، فإنْ اندرج أهل الرياء فيها فيكون المعنى في حقهم : ليس يجب لهم و لا يحق لهم إلا النار كقوله : { فجزاؤه جهنم } [ النساء : 93 ] وجائز أن يتغمدهم الله برحمته وهو ظاهر قول ابن عباس وابن جبير . والضمير في قوله : ما صنعوا فيها ، الظاهر أنه عائد على الآخرة ، والمحرور متعلق بحبط ، والمعنى : وظهر حبوط ما صنعوا في الآخرة . ويجوز أن تتعلق بقوله : صنعوا ، فيكون عائداً على الحياة الدنيا ، كما عاد عليها في فيها قبل . وما في فيما صنعوا بمعنى الذي . أو مصدرية ، وباطل وما بعده توكيد لقوله : وحبط ما صنعوا ، وباطل خبر مقدم إن كان من عطف الجمل ، وما كانوا هو المبتدأ ، وإن كان خبراً بعد خبرٍ ارتفع ما بباطل على الفاعلية . وقرأ زيد بن علي : وبطل جعله فعلاً ماضياً . وقرأ أبي ، وابن مسعود : وباطلاً بالنصب ، وخرجه صاحب اللوامح على أنه مفعول ليعملون ، فهو معمول خبر كان متقدماً . وما زائدة أي : وكانوا يعملون باطلاً ، وفي جواز هذا التركيب خلاف بين النحويين . وهو أن يتقدم معمول الخبر على الجملة بأسرها من كان اسمها وخبرها ، ويشهد للجواب قوله تعالى : { أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } [ سبأ : 40 ] ومن منع تأول . وأجاز الزمخشري أن ينتصب باطلاً على معنى المصدر على بطل بطلانا ما كانوا يعملون ، فتكون ما فاعلة ، وتكون من إعمال المصدر الذي هو بدل من الفعل في غير الاستفهام والأمر ، وحق أن يبطل أعمالهم لأنها لم تعمل لوجه صحيح ، والعمل الباطل لا ثواب له .