Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وجابر بن زيد : هذه السورة مكية كلها ، وعن ابن عباس : مكية كلها إلا قوله : { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } [ هود : 12 ] الآية . وقال مقاتل : مكية إلا قوله : فلعلك تارك الآية . وقوله : { أولئك يؤمنون به } [ هود : 17 ] نزلت في ابن سلام وأصحابه . وقوله : { إن الحسنات يذهبن السيئات } [ هود : 114 ] نزلت في نبهان التمار . وكتاب خبر مبتدأ محذوف يدل عليه ظهوره بعد هذه الحروف المقطعة كقوله : الم ذلك الكتاب ، وأحكمت صفة له . ومعنى الإحكام : نظمه نظماً رضياً لا نقص فيه ولا خلل ، كالبناء المحكم . وهو الموثق في الترصيف ، وعلى هذا فالهمزة في أحكمت ليست للنقل ، ويجوز أن تكون للنقل من حكم بضم الكاف إذا صار حكيماً ، فالمعنى : جعلت حكيمة كقولك : تلك آيات الكتاب الحكيم على أحد التأويلين في قوله : { الكتاب الحكيم } [ يونس : 1 ] وقيل : من أحكمت الدابة إذا منعها من الجماح بوضع الحكمة عليها ، فالمعنى : منعت من النساء كما قال جرير : @ أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا @@ وعن قتادة : أحكمت من الباطل . قال ابن قتيبة : أحكمت أتقنت شبه ما يحكم من الأمور المتقنة الكاملة ، وبهذه الصفة كان القرآن في الأول ، ثم فصل بتقطيعه وتبيين أحكامه وأوامره عل محمد صلى الله عليه وسلم فثم على بابها ، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل . إذ الإحكام صفة ذاتية ، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له ، والكتاب أجمعه محكم مفصل ، والإحكام الذي هو ضد النسخ ، والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال ، إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك . وحكى الطبري عن بعض المتأولين : أحكمت بالأمر والنهي ، وفصلت بالثواب والعقاب . وعن بعضهم : أحكمت من الباطل ، وفصلت بالحلال والحرام ، ونحو هذا من التخصيص الذي هو صحيح المعنى ، ولكن لا يقتضيه اللفظ . وقيل : فصلت معناه فسرت ، وقال الزمخشري : ثم فصلت كما تفصل القلائد بالدلائل من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص ، أو جعلت فصولاً سورة سورة وآية آية ، أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة ، أو فصل بها ما يحتاج إليه العباد أي بيّن ولخص . وقرأ عكرمة ، والضحاك ، والجحدري ، وزيد بن علي ، وابن كثير في رواية : ثم فصلت بفتحتين ، خفيفة على لزوم الفعل للآيات . قال صاحب اللوامح : يعني انفصلت وصدرت . وقال ابن عطية : فصلت بين المحق والمبطل من الناس ، أو نزلت إلى الناس كما تقول : فصل فلان بسفره . قال الزمخشري : وقرىء أحكمت آياته ثم فصلت أي : أحكمتها أنا ، ثم فصلتها . ( فإن قلت ) : ما معنى ؟ ثم ( قلت ) : ليس معناها التراخي في الوقت ولكن في الحال ، كما تقول : هي محكمة أحسن الأحكام ، ثم مفصلة أحسن التفصيل ، وفلان كريم الأصل ، ثم كريم الفعل انتهى . يعني أنّ ثم جاءت لترتيب الإخبار لا لترتيب الوقوع في الزمان ، واحتمل من لدن أن يكون في موضع الصفة . ومن أجاز تعداد الأخبار إذا لم تكن في معنى خبر واحد أجاز أن يكون خبراً بعد خبر . قال الزمخشري : أن يكون صلة أحكمت وفصلت أي : من عنده إحكامها وتفصيلها . وفيه طباق حسن ، لأنّ المعنى أحكمها حكيم وفصلها أي : بينها وشرحها خبير بكيفيات الأمور انتهى . ولا يريد أن من لدن متعلق بالفعلين معاً من حيث صناعة الإعراب ، بل يريد أن ذلك من باب الاعمال ، فهي متعلقة بهما من حيث المعنى . وأن لا تعبدوا يحتمل أن يكون أن حرف تفسير ، لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول وهذا أظهر ، لأنه لا يحتاج إلى إضمار . وقيل : التقدير لأنْ لا تعبدوا أو بأنْ لا تعبدوا ، فيكون مفعولاً من أجله ، ووصلت أنْ بالنهي . وقيل : أنْ نصبت لا تعبدوا ، فالفعل خبر منفي . وقيل : أنْ هي المخففة من الثقيلة ، وجملة النهي في موضع الخبر ، وفي هذه الأقوال العامل فصلت . وأما من أعربه أنه بدل من لفظ آيات أو من موضعها ، أو التقدير : من النظر أنْ لا تعبدوا إلا الله ، أو في الكتاب ألا تعبدوا ، أو هي أنْ لا تعبدوا ، أو ضمن أنْ لا تعبدوا ، أو تفصله أنْ لا تعبدوا ، فهو بمعزل عن علم الإعراب . والظاهر عود الضمير في منه إلى الله أي : إني لكم نذير من جهته وبشير ، فيكون في موضع الصفة ، فتعلق بمحذوف أي : كائن من جهته . أو تعلق بنذير أي : أنذركم من عذابه إنْ كفرتم ، وأبشركم بثوابه إن آمنتم . وقيل : يعود على الكتابة أي : نذير لكم من مخالفته ، وبشير منه لمن آمن وعمل به . وقدم النذير لأن التخويف هو الأهم . وأنْ استغفروا معطوف على أنْ لا تعبدوا ، نهي أو نفي أي : لا يعبد إلا الله . وأمر بالاستغفار من الذنوب ، ثم بالتوبة ، وهما معنيان متباينان ، لأنّ الاستغفار طلب المغفرة وهي الستر ، والمعنى : أنه لا يبقى لها تبعة . والتوبة الانسلاخ من المعاصي ، والندم على ما سلف منها ، والعزم على عدم العود إليها . ومن قال : الاستغفار توبة ، جعل قوله : ثم توبوا ، بمعنى أخلصوا التوبة واستقيموا عليها . قال ابن عطية : وثم مرتبة ، لأن الكافر أول ما ينيب ، فإنه في طلب مغفرة ربه ، فإذا تاب وتجرد من الكفر تم إيمانه . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما معنى ثمّ في قوله : ثم توبوا إليه ؟ ( قلت ) : معناه استغفروا من الشرك ، ثم ارجعوا إليه بالطاعة . وقرأ الحسن ، وابن هرمز ، وزيد بن علي ، وابن محيصن : يمتعكم بالتخفيف من أمتع ، وانتصب متاعاً على أنه مصدر جاز على غير الفعل ، أو على أنه مفعول به . لأنك تقول : متعت زيداً ثوباً ، والمتاع الحسن الرضا بالميسور والصبر على المقدور ، أو حسن العمل وقطع الأمل ، أو النعمة الكافية مع الصحة والعافية ، أو الحلال الذي لا طلب فيه ولا تعب ، أو لزوم القناعة وتوفيق الطاعة أقوال . وقال الزمخشري : يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية ، وعيشة واسعة ، ونعمة متتابعة . قال ابن عطية : وقيل هو فوائد الدنيا وزينتها ، وهذا ضعيف . لأنّ الكفار يشاركون في ذلك أعظم مشاركة ، وربما زادوا على المسلمين في ذلك . قال : ووصف المتاع بالحسن إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عز وجل ، وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفروضاته ، والسرور بمواعيده ، والكافر ليس في شيء من هذا ، والأجل المسمى هو أجل الموت قاله : ابن عباس والحسن . وقال ابن جبير : يوم القيامة ، والضمير في فضله يحتمل أن يعود على الله تعالى أي : يعطي في الآخرة كل من كان له فضل في عمل الخير ، وزيادة ما تفضل به تعالى وزاده . ويحتمل أن يعود على كل أي : جزاء ذلك الفضل الذي عمله في الدنيا لا يبخس منه شيء ، كما قال : { نوف إليهم أعمالهم } [ هود : 15 ] أي جزاءها . والدرجات تتفاضل في الجنة بتفاضل الطاعات ، وتقدم أمران بينهما تراخ ، ورتب عليهما جوابان بينهما تراخ ، ترتب على الاستغفار التمتيع المتاع الحسن في الدنيا ، كما قال : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً } [ آل عمران : 10 - 11 ] ٍ الآية وترتب على التوبة إيتاء الفضل في الآخرة ، وناسب كل جواب لما وقع جواباً له ، لأنّ الاستغفار من الذنب أول حال الراجع إلى الله ، فناسب أن يرتب عليه حال الدنيا . والتوبة هي المنجية من النار ، والتي تدخل الجنة ، فناسب أن يرتب عليها حال الآخرة . والظاهر أنّ تولوا مضارع حذف منه التاء أي : وإنْ تتولوا . وقيل : هو ماض للغائبين ، والتقدير قيل لهم : إني أخاف عليكم . وقرأ اليماني ، وعيسى بن عمر : وإن تولوا بضم التاء واللام ، وفتح الواو ، مضارع وليّ ، والأولى مضارع أولى . وفي كتاب اللوامح اليماني وعيسى البصرة : وإن تولوا بثلاث ضمات مرتباً للمفعول به ، وهو ضد التبري . وقرأ الأعرج : تولوا بضم التاء واللام . وسكون الواو ، مضارع أولى ، ووصف يوم بكبير وهو يوم القيامة لما يقع فيه من الأهوال . وقيل : هو يوم بدر وغيره من الأيام التي رموا فيها بالخذلان والقتل والسبي والنهب وأبعد من ذهب إلى أنّ كبير صفة لعذاب ، وخفض على الجوار . وباقي الآية تضمنت تهديداً عظيماً وصرحت بالبعث ، وذكر أنّ قدرته عامة لجميع ما يشاء ، ومن ذلك البعث ، فهو لا يعجزه ما شاء من عذابهم .